بفضل تصميمه الرائع، سهولة استخدامه، و قابليته للتكيف على مستوى العالم، أصبح واتساب أكبر تطبيق مراسلة في العالم، مع أكثر من 2 مليار شخص يستخدمونه كل يوم للتحدث مع أصدقائهم وعائلاتهم وزملائهم في العمل. ولكن على عكس منافسي شركة واتساب، هم لا يعرضون إعلانات، لا يتقاضون رسومًا مقابل خدمتهم، ولا يبيعون بياناتك. فكيف بحق يدفعون ثمن مليارات الرسائل المرسلة كل يوم؟ كيف يمكنهم أن يكونوا العملاق الذي هم عليه؟
للإجابة على السؤال حول كيفية جني واتساب للأموال نحتاج إلى فهم السبب الذي دفع المؤسسين إلى إنشاء واتساب في المقام الأول. أن مؤسسي واتساب، “برايان أكتون” و”يان كوم”، لم يكونا من النوع الذي تتوقعه من الأشخاص المعتادين من وادي السيليكون، لم يولدوا في عائلات ثرية وكانوا في الثلاثينيات من عمرهم قبل أن يفكروا في تطبيق واتس اب.

في هذه الأثناء كانوا يتجولون في وادي السيليكون بحثًا فقط عن أي وظيفة مستقرة، لأنه خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ترك الثنائي وظيفتيهما في شركة Yahoo بعد اختلافهما مع افتقار الشركة إلى المبادئ. كان كل من برايان ويان من الأشخاص ذوي المبادئ العميقة، وتبددت آمالهم في الحصول على منصب في فيسبوك عندما رفضت الشركة طلبهم، ولكن بعد أن أدركوا أن فيسبوك يفتقر إلى أي مبادئ أيضًا قرروا إنشاء تطبيقهم الخاص
لأنه في ذلك الوقت كان براين وجان قد شهدا النجاح الهائل الذي حققه هاتف آيفون الجديد في عام 2008 وإمكانات متجر التطبيقات الجديد الخاص به (الآب ستور)، ومن ثم في محاولة للاستفادة من هذا، شرع كلاهما في إنشاء التطبيق الخاص بهما، لكن محاولاتهم الأولى كانت فاشلة. كان التطبيق غير مستقر واستنزف بطارية أي جهاز يستخدمه. كاد يان أن يستقيل تمامًا، لكنه بقي فقط عندما أقنعه برايان بذلك، وأخبره أنه بمرور الوقت سيكون الأمر يستحق كل هذا العناء.
وكان براين على حق! لأنه لن يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى يتم تجميع أسس واتس اب أخيرًا. كانت المبادئ الأساسية للتطبيق بسيطة، في البداية تم إنشاء التطبيق للسماح للمستخدمين بتحديث حالتهم وإرسال إشعار إلى الأصدقاء بالرسالة، ولكن عندما بدأوا في تجربة التطبيق والقروبات، وجدوا أن الأشخاص بدأوا في استخدام النظام للدردشة مع بعضهم البعض عن طريق تحديث حالتهم.
بعد ملاحظة هذا الاستخدام غير المقصود انتهز يان وبرايان الفرصة وقاما بتغيير واتس اب بالكامل إلى خدمة مراسلة بسيطة بدلاً من ذلك، وما جعل واتس اب مختلفًا تمامًا وما هو مهم جدًا بالنسبة للمؤسسين هو أنهم كانوا مختلفين عن أي شخص آخر في وادي السيليكون، مع كون التطبيق فريدًا جدًا لأنه يعتمد على مبادئ المؤسسين.
جميع الطرق التقليدية التي تجني بها التطبيقات المال تبدو خاطئة بالنسبة لهم، في رأيهم ان الإعلانات مزعجة جدًا للمستخدمين وستؤدي إلى تلويث التطبيق، من المحتمل أن يؤدي فرض رسوم على خدمة واتساب إلى قتل التطبيق، وكان بيع بيانات المستخدمين أمرًا شريراً وغير أمين، لكن هذا لم يكن ضارًا لتطبيق واتساب، بل في الواقع جعله أكثر شهرة.
أحب الناس تطبيق واتساب باعتباره بديلاً مجانيًا وسهل الاستخدام ومرتبًا للرسائل النصية، ولجعل استخدام واتساب أسهل بكثير، تم دمجه مع رقم هاتفك.
التوقيت المناسب، وإطار العمل، والمبادئ لمؤسسي التطبيق سمحوا لواتساب بالنمو بشكل كبير.
1. النمو منقطع النظير
استغرق الأمر بضعة أشهر فقط بعد إطلاق التطبيق لينضم إليه أكثر من 250 ألف شخص. كان هذا النوع من النمو السريع في ذلك الوقت غير مسبوق، فقد استحوذ واتساب على متجر التطبيقات كالعاصفة، و بالطبع جذب ذلك أنظار بعض أكبر المستثمرين في وادي السيليكون. في الواقع، سمع يان وبرايان القدامى من معارفهم القدامى في ياهو عن الموجات التي أحدثها تطبيقهم، لذا قام الثنائي معًا بتنظيم استثمار أولي بقيمة 250 الف دولار.
ولكن بعد الاستثمار، قام المؤسسون بشيء مختلف، فلم يعيدوا استثمار هذه الأموال لمحاولة تسريع نمو واتساب، وهي استراتيجية يستخدمها الجميع تقريبًا في وادي السيليكون، بدلاً من ذلك عارضوا جميع الممارسات التجارية وقاموا بإدخار هذه الأموال. لأنهم توصلوا إلى الحل لكيفية جني واتساب للأرباح.
في البداية كان الأمر كله يتعلق بالمستثمرين. أعطى المستثمرون واتساب ما يكفي للحفاظ على تشغيل خدمة واتساب. قام يان وبريان بعد ذلك بخفض تكاليف الشركة من خلال وجود طاقم صغير كافي لتشغيل الشركة والتطلع إلى خفض أي نفقات حيثما كان ذلك ممكنًا، وفي المقابل كان هذا يعني أنهم لن يضطروا إلى بيع روح التطبيق، وأصبحت هذه دورة ذاتية الاستدامة.
ومع انضمام المزيد من المستخدمين إلى التطبيق اجتذب ذلك المزيد من المستثمرين، وبأموالهم يمكن أن ينمو تطبيق واتساب لاستيعاب وجذب المزيد من المستخدمين، أمكنهم إنفاق المزيد على أن يكون سهل الاستخدام تمامًا وبالتالي زيادة قاعدة مستخدمي التطبيق بشكل أكبر، ومن ثم جذب المزيد من المستثمرين وما إلى ذلك. هذا التأثير النبيل دفع واتساب إلى قمة وادي السيليكون، كل ذلك مع السماح لتطبيق واتساب بالبقاء مجانياً تماماً دون أن يكلف مستخدميه قرشاً واحدًا. وكانت خطتهم الفريدة لتنمية التطبيق ناجحة. أرقام التطبيق على مدى السنوات القليلة المقبلة بتظهر أن المؤسسين فعلوا شيئًا لا يصدق.
فهم لم يبيعوا بيانات المستخدمين، ولم يعرضوا إعلانات على التطبيق، وعلى الرغم من أنهم فرضوا رسومًا بسيطة قدرها دولار واحد على التطبيق في معظم الحالات كان هذا طوعيًا تمامًا بمثابة تبرع أكثر من كونه تطبيقًا مدفوعًا، ونعم حتى مع هذا الواتساب أصبح شركة بمليارات الدولارات. ولهذا السبب، مع اكتساب تطبيق واتساب قوة جذب، أدرك المزيد والمزيد من الأشخاص في عالم التكنولوجيا إمكاناته الكاملة.
لأنهم رأوا أن المستخدمين الذين كانوا يجذبونهم مناسبون لزراعة البيانات، نظرًا لأن واتساب قام بالفعل بدمج أرقام هواتف الأشخاص، مما جعل الأمر أسهل. ولهذا السبب في غضون عام واحد فقط من تأسيس الشركة تلقى المؤسسون طلبات لشراء التطبيق، فبحلول عام 2010، قدمت جوجل طلبات متعددة لشراء التطبيق إلى جانب شركات التكنولوجيا البارزة الأخرى. لكن المؤسسين كانوا يعرفون إمكانات التطبيق أفضل من أي شخص آخر وكانوا سيلتزمون بمبادئهم من خلال رفض جميع عروض شراء الشركة تمامًا.
الشيء الوحيد الذي سيقبلونه هو المزيد من عروض الاستثمار في الشركة. وبحلول أوائل عام 2011 حصل واتساب على تمويل قدره 8 ملايين دولار لـ 15% فقط من الشركة، على الرغم من حقيقة أن التطبيق لم يحقق أي أموال بعد! لكن إعادة الاستثمار المستمرة هذه سمحت لتطبيق واتساب بمواصلة النمو.
بعد عامين من استثمار 8 ملايين دولار، انتشر تطبيق واتساب إلى أكثر من 200 مليون شخص حول العالم. ولتكملة هذا النمو، اكتسبت الشركة 50 مليون دولار أخرى من الاستثمار، مما يعني أن قيمة واتساب أصبحت الآن تبلغ 1.5 مليار دولار. لذا عندما ننظر الى الأمر، في غضون سنوات قليلة فقط قام يان وبراين بتطوير فكرتهما لتصبح شركة تبلغ قيمتها مليار دولار على الرغم من أنهم بالكاد حصلوا على أي أموال، القيمة الوحيدة التي يتمتع بها تطبيق واتساب هي العدد الهائل من المستخدمين على التطبيق، والاستفادة من هؤلاء المستخدمين لتأمين الشبكات الاستثمارية.
ولكن لسوء الحظ بالنسبة للمؤسسين، فإن هذا النظام لن يعمل إلى الأبد، فإنهم سيحتاجون إلى كسب المال وإلا سينسحب المستثمرون جميعًا في النهاية، لذا كان عليهم إيجاد طريقة لتحقيق الدخل من التطبيق دون انتهاك مبادئهم وقيمهم الأساسية. وفي أحد الأيام، في مكاتب شركة واتساب، تلقى يان وبراين مكالمة هاتفية ستغير حياتهم إلى الأبد، فيسبوك الذي رفض ذات مرة طلب العمل التي قدمها مؤسسو واتساب يقدم الآن لهم عرضًا، عرض فيسبوك شراء واتساب مقابل 19 مليار دولار.
كان المؤسسون انصدموا جداً بهذا العرض! لقد كان هذا المبلغ أكثر بكثير مما كانت تستحقه الشركة بالفعل، حتى أن مارك زكربيرج وعدهم بالسماح لهم بإدارة الشركة بشكل مستقل بعد شرائها. لقد حل جميع مشاكل الشركة الناشئة دون أي جانب سلبي على ما يبدو. ربما كان يان وبراين يعلمان أن هذا أمر جيد جدًا لدرجة يصعب تصديقها في ذلك الوقت، ولكن من يستطيع مقاومة 19 مليار دولار؟
هذه الأموال تعني أن كلا المؤسسين لن يضطروا أبدًا إلى العمل يومًا واحدًا في حياتهم، حتى أطفالهم وأحفادهم وأحفادهم العظماء لن يضطروا أبدًا إلى العمل، يمكنهم أن يفعلوا ما يريدون بحرية غير محدودة، ولذا كما كان ليفعل أي شخص آخر باعوا الشركة معلنين الاستحواذ في أوائل عام 2014. لكن السؤال الحقيقي هنا هو لماذا أنفق فيسبوك ومارك زكربيرج كل هذا المال على واتساب؟
قبل عام واحد فقط، في مثل هذا الوقت بلغت قيمة واتساب 1.5 مليار دولار، من المستحيل أن تصل قيمتها إلى أكثر من 10 أضعاف هذا المبلغ في عام واحد فقط، حيث كان التطبيق لا يزال بالكاد يجني أي أموال على الإطلاق. كان الناس في كل مكان يتكهنون لماذا يفعل زكربيرج ذلك، وفي النهاية بدا أن السبب الرئيسي لذلك هو أن النمو الهائل لواتساب هدد تطبيق Messenger الخاص بفيسبوك، وأخبرتهم آلة البيانات الضخمة الخاصة بهم أنه يؤدي مهمة Messenger بشكل أفضل.
على سبيل المثال، كان متوسط المشاركة فيه أعلى بكثير، يستخدم الناس واتساب أكثر بكثير من Messenger. لذا مع وجود كلا التطبيقين تحت سيطرته، سيكون زكربيرج قادرًا بعد ذلك على توسيع احتكاره، وهذا لم يمر دون أن يلاحظه أحد كانت هناك بعض المخاوف الحقيقية بشأن الاحتكار هنا حيث كان زكربيرج يشتري Instagram في نفس الوقت بالضبط، وهذا هو السبب وراء خوف كل من واتساب و فيسبوك من عدم تتجاوز الصفقة فحوصات مكافحة الاحتكار في أوروبا.
ولكن عندما حان الوقت لذلك، تمكن زكربيرج وفيسبوك من خداع المسؤولين بالقول أن فيسبوك لن يتمكن أبدًا من الوصول إلى بيانات واتساب. كان هذا بسبب أن التشفير الشامل لتطبيق واتساب كان صارمًا، وكان الناس يثقون بالتطبيق لهذا السبب. حتى الواتساب نفسه كان لا يستطيع قراءة الرسائل وقتها، وهذا عنى أنه كان من الصعب للغاية جمع أي بيانات.
أكد زوكربيرج دائمًا للمؤسسين أنه سيلتزم بقيمهم ومبادئهم ويعتمد على رؤيتهم لمستقبل واتساب. ولكن دائما ترك التفاصيل مبهمة. على الرغم من أن هذه الوعود الفارغة أقنعت المؤسسين والمفوضية الأوروبية، فلن يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى تتم الصفقة بنجاح. ولكن بعد فوات الأوان وصف المسؤولون الحكوميون هذا بأنه أحد أسوأ قرارات الاحتكار في التاريخ. وفي السنوات التالية، سيندم المؤسسون بشدة على قرار بيعهم لواتساب، ولكن في ذلك الوقت بدا كل شيء مثاليًا، وكان زكربيرج يعتزم استغلال هذا الخطأ لمصلحته على أكمل وجه.
الآن بينما من الواضح أن فيسبوك أراد التخلص من المنافسة، كان عامل الجذب الرئيسي لتطبيق واتساب هو بياناته. وهذه هي المرحلة الثانية لكيفية جني واتساب للأموال، وهي من خلال قدرته الفريدة بشكل لا يصدق على جمع بيانات المستخدم.
2. بيانات المستخدم
هم لديهم المستخدمين بالفعل، كان الواتس اب موجودا على هواتف الكل، وكل يوم كان المزيد والمزيد من الأشخاص يقومون بتحميل التطبيق. لقد كان أكبر من أن تفشل، وبالتالي يمكن لتطبيق واتساب الحصول على أرقام هواتف هؤلاء الأشخاص، دفاتر الاتصال الخاصة بهم، صورهم الفعلية، بالإضافة إلى الكثير من الأشياء الأخرى. وقد وعدت بهذه البيانات من مئات الملايين من مستخدميها، وكما ذكرنا سابقًا، كان تطبيق واتساب ينمو بشكل كبير كل يوم، على سبيل المثال بحلول عام 2014 أصبح لدى واتساب الآن أكثر من 500 مليون مستخدم نشط.
لذا مع قيام فيسبوك باستثمار مبلغها الجدير بالضحك للوصول إلى هذه البيانات الخاصة بمليارات الأشخاص كل ما كان عليهم فعله الآن هو الانتظار. ولكن كان لا تزال هناك بعض المشاكل الكبيرة في خطة فيسبوك، وأكبر مشاكلهم كانت المؤسسين.

كما ترى زكربيرج وعدهم بالاستقلال، وكان عليه أن يلتزم بالاتفاقيات على الأقل لفترة قصيرة قبل ان يفكر في خرقها، ولكن في غضون عام واحد كان فيسبوك قد بدأ بالفعل في تآكل قدرة المؤسسين على التمسك بمبادئهم. بعد إبرام الصفقة قيل إن زكربيرج أخبر براين أن واتساب كان مجرد مجموعة منتجات بالنسبة له. وبعد فترة وجيزة جلب فيسبوك أول الإعلانات المستهدفة إلى واتساب، كانوا قد تسللوا إلى ميزة الحالة الجديدة في ذلك الوقت على الرغم من المعارضة الكبيرة من المؤسسين.
بعد ذلك زوكربيرغ اتجه لتفكيك تشفير واتساب الشهير هذا المعروف لنا جميعاً.

أمان التطبيق كان أحد نقاط البيع الرئيسية، وكان أحد الأسباب العديدة وراء نجاح تطبيق واتساب من الأساس. لكن فيسبوك لم يتمكن من الحفاظ على هذا الأمر سليمًا، كانوا بحاجة للبدء في سحب هذه البيانات. بدأ الإداريون في فيسبوك بطرح أسئلة حول إدخال عملية جمع البيانات إلى خوارزميات واتساب مع تجنب التشفير، ولكي نكون منصفين حاول المؤسسون المقاومة من ناحيتهم وتوصلوا إلى خطة جديدة حيث سيحصل المستخدمون فقط على قدر معين من الرسائل المجانية ويدفعون مقابل الرسائل الزائدة. ولكن تم الغاء هذه الفكرة، فلم تكن ذات قيمة أو قوة مثل البيانات والإعلانات.
لذا في عام 2016، بعد عامين فقط من شراء فيسبوك لواتساب، أعلنوا أنهم سيدمجون تطبيق واتساب بالكامل في جهاز جمع البيانات الخاص بهم. ما كان في السابق معلومات مشفرة لم تكن معروفة حتى لتطبيق واتساب نفسه، أصبح الآن يذهب مباشرة إلى جيوب زكربيرج. كان هذا أكثر من اللازم على المؤسسين، فقد مر عامان تقريبًا منذ أن باعوا الشركة والآن أصبح واتساب يستخدم لجمع البيانات الشخصية للمستخدمين، تم انتهاك جميع قيمهم ومبادئهم الأساسية، لذلك عندما بدأ زوكربيرج في طرح هذه الأفكار المتعلقة بإضافة المزيد من أدوات الأعمال، والمزيد من الإعلانات المستهدفة، والمزيد من جمع البيانات، كان الأمر كله أكثر من اللازم بالنسبة للمؤسسين.
لذلك وضع المؤسسون خطتهم لل، نظرًإلغاء العقد واستعادة واتساب لأنه كان لديهم بند في العقد مع فيسبوك وعد بأن هذه الأنواع من تكتيكات تحقيق الدخل لن يُسمح بها على النظام الأساسي، فاعتقد المؤسسون أن فيسبوك قد انتهك هذه الاتفاقية بشكل واضح، لكن عندما طرحوا الأمر في المفاوضات وجد فيسبوك ثغرة، نظرًا لأن زكربيرج كان يقوم فقط باستكشاف تحقيق الدخل الدخل بدلاً من تنفيذه على نطاق واسع، وكان لدى زكربيرج خدعة أخرى في جعبته، لأنه كان مخفيًا في العقد بندًا ينص على أن المؤسسين سيخسرون الكثير من المال إذا تراجعوا عن الشركة مبكرًا.
ولكن هذا لم يهم في هذه المرحلة، فقد شعر بريان وجان بالاستياء الشديد من تصرفات فيسبوك لدرجة أنهما اختارا ترك الشركة مبكرًا على أي حال مما تسبب في خسارتهما 850 مليون دولار في هذه العملية. الآن بعد مغادرة الشركة، أشاد بريان بزكربيرج قليلاً في منشور عام، ولكن لاحقًا في إحدى المقابلات بدا براين مختلفًا تمامًا، فقد كان يشعر بالذنب لما حدث قائلاً “لقد بعت خصوصية المستخدمين لمصلحة أكبر. لقد قمت بالاختيار والتسوية. وأعيش مع ذلك كل يوم.” ثم تبعه يان بعد ستة أشهر بمغادرة فيسبوك أيضًا بسبب إساءة استخدام فيسبوك للخصوصية، ولكن في هذه المرحلة كانت هذه أقل مشاكل فيسبوك.
وفي أوائل عام 2018، تم الكشف عن أسرار جمع البيانات الخاصة بفيسبوك للعالم في فضيحة سميت بكامبريدج أناليتيكا. كشفت الفضيحة انه تم استخدام بيانات من 87 مليون شخص في نظام تنميط نفسي وتم استخدام هذا لنقاط ضعف الناس في الإعلانات المستهدفة والحملات السياسية. تقدم أحد الموظفين السابقين في فيسبوك ليقول هذا في البرنامج: “استخدمنا فيسبوك لحصد الملفات الشخصية لملايين الأشخاص وقمنا ببناء نماذج لاستغلال ما نعرفه عنهم واستهداف مخاوفهم الداخلية”. ولكن من كالعادة فيسبوك كان غير اعتذاري وقالوا ان المستخدمين سلموا بياناتهم بإرادتهم ووافقوا على ذلك، حتى أنهم قاموا بحظر الموظف عن فيسبوك وإنستغرام وحتى واتساب. كان العالم غاضبًا وأدى الجدل إلى جلسات التحقيق الشهيرة في الكونجرس مع مارك زكربيرج.
حتى أن براين أكتون طلب من الأشخاص حذف فيسبوك بعد أشهر قليلة من شكرهم على رحلته، ولكن في الفيسبوك كان كل ذلك مجرد عقبة في الطريق، لأن مارك زوكربيرج أصبح الآن جاهزًا للانتقال إلى المرحلة الثالثة حول كيفية قيام واتساب بجني الأموال.
3. تحويل واتساب إلى منجم ذهب خوارزمي
مع خروج المؤسسين من الصورة، أصبح لدى فيسبوك الآن سيطرة حرة على واتساب، وسيحوله زكربيرج إلى آلة جمع البيانات الخاصة به. لقد اختبر فيسبوك بالفعل خطته لتنفيذ أدوات الأعمال والتحليلات في واتساب منذ أوائل عام 2017، لكنهم أصبحوا الآن على استعداد لطرح ذلك للجمهور. على السطح، بدا الأمر وكأنه طريقة مشروعة يمكن لفيسبوك من خلالها تحقيق الدخل من النظام الأساسي، حيث يمكن للشركات أن تسمح للأشخاص بتقديم الطلبات وطرح الأسئلة عبر تطبيق واتساب، وسوف يجني فيسبوك المال عن طريق فرض رسوم على هذه الخدمة.
ولكن هذا البرنامج كان للواجهة فقط، التفاصيل المخفية هي أن هذا أعطى ذريعة لفيسبوك لتحديث سياسة الخصوصية الخاصة بواتساب. وما كان مخفيًا في التفاصيل الدقيقة هو حقيقة أن فيسبوك يمكنه الوصول إلى بيانات أكثر بكثير مما كان بإمكانه من قبل.
قبل التحديثات، يمكن لتطبيق واتساب الوصول إلى أشياء مثل مدة استخدامك للتطبيق، وعنوان الـ IP الخاص بك وأي معرفات فريدة قد يمتلكها نظامك. ولكن إذا كنت تريد استخدام الميزات الجديدة، فستمنح فيسبوك إمكانية الوصول إلى معلومات المعاملات البنكية، والدفع، وملفات تعريف الارتباط، وحتى موقعك الفعلي. وفرض فيسبوك هذا التحديث في عام 2021 على الرغم من الاحتجاجات واسعة النطاق على آثاره على الخصوصية.
ولكي نكون منصفين، كان لدى الناس أسباب كبيرة للقلق، فقد عانى فيسبوك من انتهاكات متعددة للبيانات منذ فضيحة كامبريدج أناليتيكا، حيث أصدرت لجنة التجارة الفيدرالية غرامة قدرها 5 مليارات دولار لفيسبوك في يوليو. ولذا قد تعتقد أنهم سيكونون حذرين، ولكن بعد بضعة أشهر فقط تم العثور على معلومات شخصية لـ 267 مليون شخص تطفو على شبكة الدارك ويب قد تمت سرقتها من فيسبوك وتضمنت أسماء الأشخاص وأرقام هواتفهم وتفاصيل حساب فيسبوك. وبعد بضعة أشهر تم الكشف عن 40 مليون حساب إضافي جاءت أيضًا من بنوك بيانات فيسبوك. وأعقب ذلك خروقات أخرى للبيانات، حيث تم العثور على 540 مليون سجل مستخدم لفيسبوك على خادم عام تنتظر ان يقرأها احد.
وعندما لم يفقدوا البيانات التي حصلوا عليها من واتساب كانوا يبيعونها. قاموا ببيعه إلى المتصفح Bing، وبعد ذلك استخدم Bing هذه البيانات لتخصيص نتائج البحث بناءً على معلومات الأشخاص على فيسبوك. بعد ذلك عقد فيسبوك صفقات مع شركات مثل Netflix وSpotify للسماح لخوارزمياتها بقراءة الرسائل الخاصة للمستخدمين، ثم سمحوا لمحرك البحث الروسي ياندكس بعمل فهارس لهويات الأشخاص والملفات الشخصية العامة من أجل تخصيص نتائجهم، والأكثر فظاعة من ذلك كله هو أن فيسبوك سمح لشركة هواوي الصينية عملاقة التكنولوجيا بسحب البيانات من التطبيقات أثناء استخدام التطبيق على أجهزتها. هناك عدد كبير من الأشخاص الآخرين الذين يستخدمون هذه البيانات من السياسيين والحكومات والشركات الكبرى.
تأتي الإيرادات الرئيسية لفيسبوك من المعلنين الذين يرغبون بشدة في معرفة كل شيء عنك، لأنهم يمكنهم تحقيق الدخل من هذه المعلومات عن طريق جعل الإعلانات المستهدفة أكثر تحديدًا. أي شيء يتعلمونه يسمح لهم ببناء ملف الشخصي عليك، وكلما زاد اكتمال ملفهم عنك زادت احتمالية شراءك لما يبيعونه. ظهرت كل هذه المعلومات في أعقاب فضيحة كامبريدج أناليتيكا، ومع ذلك فهذه مجرد لمحات من آلة البيانات الضخمة التي قام واتساب بتيسيرها، وهو أمر مخيف لأن تطبيق واتساب يقترب الآن من ثلاثة مليار مستخدم اليوم. وهذا يعني أن فيسبوك لديه إمكانية الوصول إلى ما يقرب من المعلومات الشخصية لنصف العالم.
والآن بعد أن عززوا سيطرتهم على واتساب بدأوا في استغلاله على أكمل وجه. بعد تنفيذ تغييرات الخصوصية المثيرة للجدل، قفزت إيرادات الإعلانات إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق على فيسبوك، فقد حققوا عبر جميع منصاتهم ما يقرب من 115 مليار دولار في عام 2021. وكل هذا كان ممكنًا بفضل واتساب، فهو يمنح فيسبوك إمكانية الوصول إلى مليارات الأشخاص، ثم يقوم هؤلاء الأشخاص بتزويدهم بالبيانات، وهذا يغذي إمبراطورية بيانات الفيسبوك.
على الرغم من أن الأمر لم يبدو كذلك على السطح، إلا أن واتساب كان يستحق بسهولة المليارات التي دفعها فيسبوك مقابله، فمن ناحية، منح فيسبوك مستقبلًا أكثر أمانًا لأن تطبيق واتساب يتيح لآلة بيانات فيسبوك إمكانية الوصول إلى مليارات الأشخاص، وفي مقابل ذلك يمكن لـ فيسبوك الاحتفاظ بالخوادم كبديل مجاني، مما يقوض المنافسة ويضمن بقاء فيسبوك في حالة احتكار، وحتى إذا فقد فيسبوك نفسه شعبيته، فسيظل لديه دائمًا تطبيق واتساب، منجمهم الذهبي. وطالما بقيت هذه المعلومات على هواتف الناس، فسوف يكون لدى فيسبوك دائمًا الوقود اللازم لآلة صنع الأموال البياناتية.