وادي السيليكون في حالة من الفوضى، حيث تنهار الان معظم شركات التكنولوجيا الكبرى، على سبيل المثال كانت شركة “ميتا” قيمتها اكثر من تريليون دولار في عام 2021، ولكن بعد عام فقط، تراجعت هذه القيمة بثلثين. و الشركات العمالقة الأخرى ليست بعيدة، فشركات مثل “أمازون” و“تويتر” و“تيسلا” و“ميتا” و“نتفليكس” شهدوا انخفاضات هائلة في الأرباح، وحجم هذه الخسائر لا يسبق له مثيل، وهذا ما يسبب أزمة شركات التكنولوجيا القادمة
خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن شركات التكنولوجيا الكبرى كانت غير مقهورة في العقد الماضي، فالإيرادات والأرباح كانت في ازدياد مستمر، وكان وادي السيليكون يعتبر مصنع للمليارديرات حيث انهم من صنعوا بعض أكثر المليارديرات شهرة من الشركات التكنولوجية الكبرى مثل بيل جيتس وإيلون ماسك وجيف بيزوس ومارك زكربيرغ وجاك دورسي. ولكن بعد ذلك، انفجرت الفقاعة والآن يشهد أكبر أسماء وادي السيليكون انخفاضًا حادًا في الإيرادات، وتسريح المئات من الآلاف من الموظفين، وانخفاض قيمة الأسهم لمعظم شركات التكنولوجيا الكبرى بشكل كبير، مما يؤدي إلى السؤال: كيف وصلوا إلى هذا الحال بسرعة هكذا؟
كما ترى التكنولوجيا كانت جزءًا متزايدًا من اقتصاد العالم لسنوات عديدة، على مدار العقد الماضي شركات التكنولوجيا نمت اكثر و اكثر. بالطبع كانت هناك مرات تراجعت فيها الأمور، على سبيل المثال، تعرضت شركات التكنولوجيا المفرطة التقييم لأزمة “دوت كوم” في أواخر التسعينات، والتي أدت إلى عواقب كارثية لهذه الشركات، ولكن مع مرور الوقت انتعشت الصناعة مرة أخرى، و سرعان ما نسي الناس أخطاء الماضي، ومع تحسن التكنولوجيا، أصبحت شركاتها أكثر ثراءً، ولكن كانت هناك مشاكل ضخمة في الأفق بالنسبة لوادي السيليكون لأن المسار لم يكن دائمًا ذهبيًا، فعلى سبيل المثال اعتمدت شركات مثل “أوبر” على إمكاناتها وجذب استثمارات دون وجود استراتيجية عمل للربح.
يمكن قول نفس الشيء على “تويتر”، وعلى الرغم من ذلك، نمت جميع عمالقة الصناعة بشكل هائل، ففي عام 2018 تجاوزت قيمة شركة “ميتا” 500 مليار دولار، وكانت “أمازون” تقترب من التريليون، ولكن كان لدى كل هذه الشركات مشكلة مشتركة وهي انها لم تكن بالقيمة التي يعتقدها الناس، حيث كانت نماذج أعمالهم غير ثابتة وتحتاج دائماً إلى استثمارات أو أنها لم تكن تحقق الكثير من الارباح اصلاً،
وكانت هوامشهم الربحية دائمًا ضئيلة للغاية، وهذا هو السبب في أن معظم المليارديرات اصحاب شركات التكنولوجيا لا ينظرون إلى سعر اسهم شركاتهم مثل بيل جيتس حيث قال في مؤتمر صحفي “الأسهم ليست الشركة، والشركة ليست الأسهم، لذا وأنا أشاهد السهم ينخفض من 113 إلى 6، أنا أيضًا أراقب جميع مؤشرات عملنا الداخلية. كل شيء في الشركة يتحسن في الحقيقة”.
يعتقدون أن تكنولوجياتهم تنتشر في كل جانب من جوانب العالم وأن الشركات ستركب دائمًا موجة الإمكانيات المستقبلية، ولم يبدو أن نموذج أعمالهم المتزعزع يشكل مشكلة في هذه المرحلة، حيث كانت جميع هذه الشركات التكنولوجية الكبرى تحصل على المزيد من السلطة والنفوذ، و بدو أنهم كانوا غير قابلين للتأثير لأن لدى التكنولوجيا شيء لا يقدر بثمن وهي اعين وبيانات العالم بأسره.
كما ترى، منذ أن بدأت الشركات جمع بيانات المستخدمين بمستويات ضخمة مثلما تفعل شركات تطبيقات التواصل الاجتماعي الآن، ارادت هذه الشركات تحقيق أقصى قدر من التفاعل، وأصبح الأمر الأهم هو إبقاء الأشخاص على التطبيق لأطول فترة ممكنة وبشكل متكرر، ولذلك أصبحنا مدمنين على هواتفنا، حيث يجلب كل ذلك لهذه الشركات التكنولوجية الضخمة مليارات الدولارات مما يسمح لهم ببيع إعلانات أكثر واستغلال مزيد من بياناتك الشخصية،
ومع مرور الوقت، تم تحسين هذه العملية من قِبَل هذه الشركات عن طريق التلاعب بعلم النفس، فأصبحت تطبيقاتها إدمانية لدرجة أن العالم بأكمله لا يستطيع العيش بدون هواتفهم الذكية. وخلال هذه العملية، اكتشفوا أن الغضب والخوف هما وسيلتان فعالتان لإبقاء الناس مشغولين و مشاركين، ومع ضبط الخوارزميات لزيادة التفاعل، يتم تعزيز المنشورات المتطرفة والمثيرة للجدل أكثر من غيرها ونشرها أمام الجميع باستمرار، مع حظر أي معلومات لا تتناسب مع السياق السياسي لوادي السيليكون.
هذا هو السبب في أن تويتر وميتا وجميع هذه الشركات أصبحت بؤرة للإدمان والتحجيم والكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، ومع مرور الوقت، تصاعدت الدورة وتدهورت الثقافة بأكملها، وتجلى هذا التغيير في العالم الحقيقي مما أدى إلى الاحتجاجات والاضطرابات والانهيار. ولكن هذا الأمر لا يهم الشركات التكنولوجية بل على العكس، فهو في مصلحتها، وبدلاً من معالجة المشاكل التي تسببوا فيها بأنفسهم بواسطة خوارزمياتهم، بدأت تتجه الشركات نحو المزيد من رقابة الرأي، وقمع جميع الآراء المخالفة تحت اسم نشر المعلومات الخاطئة، ولكن هذا الحل لن يدوم إلى الأبد، فستبدأ هذه الشركات في تحمل تكلفة التدخل في الحوار العام، لكن في الوقت الحاضر عليها التعامل مع مشكلة أكثر تقليدية.
المنافسة

خلال العقود الماضية، انفجرت الصين في صناعة التكنولوجيا، أصبحت شركات مثل “تينسينت” و “هواوي” و “بايتدانس” تنافس الشركات الغربية على نطاق عالمي، فعلى سبيل المثال قامت تينسنت بالعديد من الاستحواذات على شركات غربية مثل Riot و Epic Games وحتى Ubisoft، ومن خلال هذه الخطوات أضعفت هيمنة الغرب في صناعة الألعاب المربحة، حيث أصبحت الصين تمتلك بعضًا من أكثر الألعاب شهرة اليوم مثل فورتنايت و ليج اوف ليجيندس. وأيضًا، تسعى الصين لفرض هيمنتها بأشياء مثل تيك توك واستثمارات تينسينت في ريديت و ديسكورد، وثم هجوم هواوي على شركات تصنيع الأجهزة بإطلاق بدائل رخيصة محملة بتقنية جمع البيانات الصينية.
قد فعلت شاومي نفس الشيء، ولكن بتأثير أكبر على الرغم من أنها تأسست فقط في عام 2010، حيث استحوذت على أكثر من 12٪ من السوق بالفعل، وتعتبر بايت دانس الأكثر شراً على الأرجح، فالصين على دراية تامة بقوة وسائل التواصل الاجتماعي منذ وقت طويل قبل أن يكتشف الغرب ذلك، وقد درست ما كانت تفعله الشركات الغربية بالتفاعل، حيث انفجر TikTok في شعبية من خلال اللعب على نموذج الأعمال الإدماني الذي تعتمده وادي السيليكون.
وعن طريق التعلم من نجاحات وأخطاء وادي السيليكون، نمى تيكتوك بنسبة 400٪ في كل عام، حيث استولى على جماهير الشركات الإعلامية الغربية من تحت أنوفها، وهذا هو السبب في أن معظم التطبيقات الكبيرة الآن مثل يوتيوب و فيسبوك تعتمد فكرة الفيديوهات القصيرة مثل تيكتوك، وببساطة هذا هو هجوم مستهدف على وادي السيليكون. جميع هذه الشركات الصينية المنافسة لوادي السيليكون لديها علاقات وثيقة جدًا مع الحزب الشيوعي الصيني،
مما يمنحها مجالًا هائلًا للتوسع لأنه بغض النظر عن مدى ربحية هذه الشركات فهي دائمًا لديها دعم الحكومة الصينية في ظهورها، وهذا يمنحها افصلية كبيرة على الغرب، حيث لا يتعين عليها القلق من قوانين حقوق الإنسان أو العقبات الأخلاقية أو حتى ربحية الشركة، بدلاً من ذلك هم في آمان طالما انهم في جانب الحزب، يمكنهم الإفلات بأي شيء.
وهذا ليس فقط داخل الصين بل في كل مكان يتواجدون فيه في الخارج يحصلون على دعم الحكومة، حيث تعتبر جميع هذه المواقع الصينية الكبيرة للتواصل الاجتماعي ممثل ثالث لحكومة الصين عملياً، وبما أنها تعمل بالتناغم، فإن هذه الشركات أصبحت قوة لا يمكن إيقافها، فبينما تخنق شركات التكنولوجيا الغربية بعضها، تمكنت عمالقة التكنولوجيا الصينية من بناء احتكاراتها بسلام، وهذا هو السبب في أن الصين تكتسب يومًا بعد يوم قليلاً من الأرض في المنافسة مع الغرب، لأنه مع كل مستخدم وزبون يكتسبه الصين، يصبح وادي السيليكون اكثر ضعفاً، وهذا التهديد الجديد كان مروعًا لخطوط القاعدة للشركات التكنولوجية الكبيرة، والعواقب الحقيقية لم تبدأ إلا اليوم.
وادي السيليكون

هذه المشاكل كانت لا تزال في الأفق ولم تؤثر على الأرقام بعد، حيث كانت التطبيقات مثل تيك توك قد بدأت للتو وما زال من المتوقع أن يحدث نمو كبير، وبحلول نهاية عام 2016 كان بعض الصحفيين يشيدون بوادي السيليكون بأنه المستقبل، فقد حدث تغيير دراماتيكي، إذ كان في الماضي قائمة أفضل الشركات تهيمن عليها شركات النفط والتصنيع وبعض العمالقة المالية، ولكن تم استبدال هذه الشركات الآن بشركات مثل جوجل وأمازون وتسلا وأبل ومايكروسوفت التي طردت تلك الشركات من القائمة.
ومع ذلك، على الرغم من تقديرات قيمتها الهائلة، لم تكن هذه الشركات مربحة بالقدر الذي ينبغي أن تكون عليه. فمنذ 1995 وحتى 2015، لم تحقق أمازون سوى ملياري دولار في الأرباح على الرغم من أن قيمة الشركة تقارب تريليون دولار، هذه الحركة من امازون كانت تهدف إلى تفادي الضرائب ولكنها كانت تمثل فرقاً كبيرًا بين وادي السيليكون وبقية العالم.
بدلا من التركيز على تحقيق الأرباح كانت تركز هذه الشركات على النمو، وأفضل مثال على ذلك هو أوبر إذ أنهم قضوا سنوات يركزون فيها تمامًا على النمو فوق أي شيء آخر، و تجسدوا شعار وادي السيليكون وهو كسر القوانين في المجال لتثبيت وجودهم في السوق من خلال تحالف استراتيجي كبير أظهر أنّ مسؤولي أوبر كانوا يوجهون الموظفين باستخدام الفوضى والعنف لتشغيل لتعطيل شركات التاكسي الأخرى والضغط على الحكومات (وهو ما تناولناه في مقالة سقوط اوبر)،
وبالطبع كانت لديهم مشاكل كبيرة في صنع ما يكفي من الأرباح، إذ ما زالت استراتيجية عملهم تصنع للشركة أرباح منخفضة للغاية حتى بعد أن بدأوا في رفع اسعار الرحلات و أخذ كل قرش يمكنهم أخذه تسبب ذلك في وضع أوبر في موقف صعب، حيث تراجعت أسعار أسهمهم بسبب تشبع السوق وتلاشي سيطرتهم على السوق، لكن لا يزال لدى أوبر فرصة طفيفة لأن الثقة الزائدة في وادي السيليكون أدت إلى انهيارات أكثر تدميرًا خصوصًا في حالة شركة “وي ورك” “wework” وهي شركة لتأجير مساحات المكاتب.
في بداية عام 2019، اعتبرت شركة “وي ورك” شركة جديدة مبتكرة كانت مستعدة لتغيير عالم العمل، وعلى الرغم من أنها تأسست في نيويورك بعيداً عن وادي السيليكون الموجود في سان فرانسيسكو إلا أنها تأثرت بشكل واضح بعقلية وادي السيليكون بسبب مؤسسها “آدم نيومان”.
كان نيومان المدير التنفيذي ذو الشخصية الفاتنة قادرًا على إقناع المستثمرين بشكل رائع لدرجة أنه جذب ملايين الدولارات، وبعد سنوات قليلة فقط من تأسيسها، جمعت الشركة أكثر من مليار دولار، ورغم ان الشركة كانت شركة تأجير مساحات مكاتب كانت وي ورك مدرجة كشركة تكنولوجية، حيث تمكنت ويورك من جمع أكثر من مليار دولار للشركة رغم زيادة الطبقات في الشركة وآداء مالي سيئ،
فقد خسرت ويورك أكثر من ملياري دولار في عام 2018، ومع ذلك لأن المستثمرين كانوا معجبين بالفكرة بدلاً من المنتج الذي أمامهم قاموا بالاستثمار في الشركة و استمرت الإثارة حولها، حيث أظهر التحليل أن الشركة في ذلك الوقت تستحق أكثر من 40 مليار دولار، وهذا أكثر من شركات عملاقة مثل Airbnb.
أرادت الشركة الحصول على المزيد من أموال المستثمرين، فبدأت عملية الطرح الأولي في البورصة IPO (وهو ما شرحناه في مقالة شرح الاستثمار للمبتدئين)، والتي ستفتح أسهم الشركة للجمهور لجمع أموال أكثر لـ وي ورك، ومع ذلك، حتى مع هذا الكم الهائل من الاستثمار، بدأت عملية الطرح العام الأولي في الحصول على المزيد من الانتقادات، حيث بدأ المستثمرون في ملاحظة أن الشركة لا تحقق أي أرباح حقيقية.
كانت تعكس الواقع الحقيقي لنموذج الأعمال في وادي السيليكون: ديون كثيرة وأرباح منخفضة مدعومة بأموال ناس آخرين. وبالتالي تم تخفيض قيمة وي ورك التي كانت تبلغ 40 مليار دولار بنسبة 75% في أيام، مما أدى إلى إقالة 20% من الشركة، وأُجبر “نيومان” المدير التنفيذي للشركة وغيره من المسؤولين التنفيذيين على الاستقالة، وتم إجبار الشركة على تقليص خطط نموها الضخمة.
صدم الواقع الشركة بقوة و اصبح السؤال الآن ما هو تاريخ انتهاء وي ورك، ومع ذلك، لم تتعلّم شركات وادي السيليكون من هذا المثال، تُستخدام استراتيجية الأعمال نفسها في العديد من شركات التكنولوجيا الآن و يرى أثرياء شركات التكنولوجيا ان ما حدث مع وي ورك مجرد حالة منفردة، وبالإضافة إلى ذلك، لم يكن الوقت مناسبًا للتراجع.
بعدما جاء عام 2019 وانتهى، وتم الدخول في جائحة فيروس كورونا، كان هنا حيث قامت شركات التكنولوجيا بتضخيم جهودها، حيث أن جائحة كوفيد-19 كانت فرصة ضخمة للشركات الكبرى في هذا المجال، حيث ارتفعت قيمة شركات التكنولوجيا بمئات المليارات، فقد جنوا الكثير من المال لدرجة انهم لم يعرفوا ماذا يفعلون بها، ظن كبار هذه الشركات ان هكذا سيكون الحال، وبدا أن هيمنة التكنولوجيا على المستقبل مضمونة، حيث أصبح زكربيرج و أمثاله يخاطرون ويتصرفون بصورة قصيرة النظر في استثماراتهم،
متوقعين أن تبقى مستويات الإيرادات قوية بعد الجائحة ولهذا السبب نما عدد العاملين في شركة ميتا بنسبة 28% خلال عام واحد فقط، وقامت أمازون بتوسيع عملياتها بشكل كبير حيث ارتفعت أرباحها بأكثر من 220%، وقامت آبل بإنفاق مبلغ إضافي يصل إلى 90 مليار دولار في شراء أسهمها الخاصة خلال الجائحة، مراهنة على استمرار نجاحها بمبلغ يزيد عن الناتج المحلي الإجمالي في سريلانكا.
ترى شركات التكنولوجيا قامت بإجراء استثمارات ضخمة في أنفسها راهنةً على عدم انتهاء الأوقات الجيدة، وكانت هذا الثقة الزائدة هي ما جعلتهم غير قادرين على التعامل مع انخفاض الأرباح عندما بدأت تنخفض.
الحرب الفكرية

الثقة الزائدة لم تكن المشكلة الوحيدة التي تفاقمت خلال الجائحة. فإن الحرب الثقافية و الفكرية كانت تزداد حدة كلما أمضى الناس وقتًا أطول على الإنترنت، حيث اندلعت حروبٌ (نقاشات) لا يُمكن الفوز بها.
شركات التكنولويجا كانوا من بين الرابحين الوحيدين، حيث دمر الحظر الإقتصاد وأدى إلى فقدان ملايين الوظائف وإفلاس العديد من الشركات، ومن الصعب تقدير التأثيرات السلبية للجائحة على الناس وصحتهم العقلية و النفسية، لكن كان تصاعد الحرب الثقافية كان ملموساً وفي نهاية المطاف ستؤدي نتائج ذلك إلى إرهاق الناس وجفافهم من وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بدأ الناس يشعرون بالملل من الحرب الثقافية، وكانت الصين تقترب الآن أيضًا من وادي السيليكون، حيث نما تيك توك بملايين المستخدمين خلال الجائحة وتجاوز 1.1 مليار مستخدم في العام 2021، لكن هذه العوامل المتزايدة لم تؤثر بعد على شركات التكنولوجيا الغربية الكبرى، ولكنها ستكون مسألة وقت فقط.
العواقب: أزمة شركات التكنولوجيا الحقيقية

كان أصحاب المليارات مالكي شركات التكنولوجيا يستمتعون بأوقاتهم، أنفق جيف بيزوس ملايين الدولارات في رحلة الى الفضاء بنفسه، و أصبح إيلون ماسك شخصية مجلة التايم لعام 2021، ولكن كل هذا سيكون من آخر الأخبار الجيدة التي يسمعها هؤلاء أصحاب المليارات في مجال التكنولوجيا، لأنه عندما فتح العالم أبوابه مرة أخيراً و انتهى حظر كورونا، كان ذلك اشارة لنهاية ازدهار وادي السيليكون،
حتى وإن لم يصدق أحد ذلك. على سبيل المثال، كان نمو الإيرادات في شركة ميتا قد ارتفع إلى أكثر من 50% في صيف عام 2021، لكنه انخفض بشكل حاد خلال التسعة أشهر التالية ليصل إلى 5% فقط في الربع الأول من عام 2022, شهدت أمازون أيضًا انخفاضًا حادًا من أكثر من 40٪ إلى حوالي 7٪ في نفس الفترة الزمنية، حتى الشركات المستقرة عادة مثل مايكروسوفت أو آبل تعرضت لنفس المصير وشهدت انخفاضًا في مستويات نموها، فما الذي حدث هنا؟
كانت جميع المشاكل المتزايدة التي ظن وادي السيليكون أنه يمكنه تجاهلها بدأت أخيرًا في التأثير. كانوا سابقاً في امان من الركود الاقتصادي الناجم عن الجائحة بفعل الطلب الذي كان موجودًا في كل مكان، ولكن انتهت تلك الحماية وأصبح الاقتصاد يتدهور، لذا بدأ الناس في إنفاق أقل بكثير على المنتجات، ولم يكن للناس اهتمام بالإعلانات، وأصبحت المستلزمات أكثر تكلفة، مما أدى إلى تقليل انفاق للأشخاص على الرفاهيات، وفوق كل ذلك أدت الحرب الثقافية إلى وقف حسابات العديد من الأشخاص أيضًا على وسائل التواصل، مما أدى إلى استخدام أقل لوسائل التواصل الاجتماعي.
أظهرت دراسة كندية أن هناك أقل عدد من الأشخاص استخدموا فيسبوك ويوتيوب وتويتر في عام 2022 مقارنة بعام 2020، والشركة التكنولوجية الوحيدة التي نجت من الانخفاض كانت تيك توك، حيث لم يتأثر نموه، ربما بسبب دعمها من قبل الحكومة الصينية، ولكن كان واضحًا للجميع في وادي السيليكون أنهم يفقدون اهتمام الجمهور، ومع هذا التقلص الحاد في الاهتمام، جاءت تخفيضات حادة في أرباحهم وهنا بدأت المشكلة؛ فقد أصبحت الشركات التكنولوجية مركزة جدًا على النمو، لذا عندما قل النمو أثر ذلك عليهم بشكل أشد من الصناعات الأخرى. على مدار عام 2022 فقدت الشركات التكنولوجية مزيدًا ومزيدًا من المال، مما استدعى من الرؤساء التنفيذيين اتخاذ قرارات العشوائية.
تولى إيلون ماسك منصب الرئيس التنفيذي لتويتر بعد سنوات من المفاوضات والمعارك القانونية، و بدأ بفصل جزء كبير من القوى العاملة، مما أدى إلى حدوث أعطال فنية جسيمة ومشاكل في التطبيق. كانت الأمور تسير بشكل سيء لدرجة أنه اضطر للاستقالة من الشركة، ركزت جوجل بشكل كبير على جهازها الجديد “ستاديا كلاود”، ولكن كما حدث مع كل شركة تكنولوجية كبيرة أيضًا شهدت جوجل انحسارها في عام 2022، حيث اضطرت لإرجاع أموال جميع مشتري الجهاز دون أن تستعيد الأجهزة منهم، بالإضافة إلى ذلك، شهدت أوبر انخفاضًا حادًا في أعمالها نتيجة المنافسة والتسريبات الضخمة وارتفاع الأسعار، قامت “ميتا” بتخفيض قيمة أسهمها بنسبة تقدر بحوالي 60%، بينما انخفضت قيمة أسهم تسلا بنسبة 70%.
وعندما اقترب عام 2022 من نهايته، أدركت شركات التكنولوجيا أن الأمور لن تتحسن قريبًا، وكان عليها تقليص التكاليف، ولهذا السبب بدأنا نرى أخبار عن فصل العديد من العاملين في هذه الشركات التكنولوجية الكبيرة، مثل فصل مايكروسوفت لأكثر من 1000 موظف، ثم قامت شركة Stripe وهي شركة ناشئة بفصل 14% من قوى العمل الخاصة بها، واضطر إيلون لفصل ما يقرب من 4000 شخص من تويتر، يليه “ميتا” بفصل 11,000 شخص آخر، قامت أمازون بفصل 10,000 عامل، وحدث ذلك في غضون شهر واحد تقريبًا. في نهاية المطاف زادت أمازون أعداد العمال المفصولين بمقدار مضاعف في ديسمبر، حيث لم تكن التسريحات السابقة كافية، ولم يكن هؤلاء المفصولون عمال بمرتب حد أدني، بل كانوا عاملون اصحاب مهارات عالية وتكلفة باهظة.
بصفة عامة قامت أكثر من 1000 شركة تكنولوجية بفصل أكثر من 150,000 عامل. وادي السيليكون حفروا قبورهم بأنفسهم بالمخاطرة باستثماراتهم و استراتيجيتهم المركزة على النمو لا الارباح. الشركات نفسها التي صارعت من أجل هؤلاء العمال في حروب المواهب التي كانت قبل عام أو عامين فقط، الآن تقوم بفصلهم وتتحمل تكاليف جسيمة في هذه العملية، ولم يكن ذلك سيكلفهم فقط في ذلك الوقت، بل تمثل هذه الحملات الجماعية للفصل عددًا هائلاً من الأشخاص ذوي المهارات القيمة للغاية. لقد شهدت لوحة وظائف تسمى “وظائف التكنولوجيا للأبد” (tech jobs for good) زيادات كبيرة في عدد الباحثين عن وظائف تقنية بفعل هذه التسريحات.
رأى الناس الحياة السريعة لشركات التكنولوجيا الكبيرة، والآن يسعون لإحداث فرق رغم تأثير طفيف على رواتبهم، وهذا هو أحد الطرق التي من خلالها ستعود انهيارات الشركات التكنولوجية الكبيرة بشكل غير مقصود لصالح العالم. ولكن ربما يكون لهذا أعراضًا تجاه اقتصاد الغرب، حيث يبدو أننا سندخل عام 2023 مع توقعات الأمم المتحدة بأننا سنواجه ركودًا ضخمًا، ويبدو أن وادي السيليكون يمكنه فقط أن يتوقع المزيد والمزيد من المعاناة. المستقبل يبدو مظلمًا، تنخفض قدرتنا الشرائية، وهذا يهدد شركات مواقع التواصل الاجتماعي و شركات الهاردوير مثل أبل ومايكروسوفت، والحكومات أيضًا تتحول تدريجياً ضد شركات التكنولوجيا الكبيرة مشاهدة زعزعة الاستقرار الذي تسببه بتأثيرها على الناس.
الصفقة التي تبلغ قيمتها 69 مليار دولار لاستحواذ مايكروسوفت على أكتيفجن وبليزارد تثير جدلاً من قِبَل مراقبي الاحتكار في جميع أنحاء العالم. فقد حاولت لجنة التجارة الفدرالية في الولايات المتحدة منعها، في حين ينتظر الصناعة التكنولوجية بأسرها حكمًا آخرًا بشأن خوارزميات الاقتراحات. يتعرض جوجل لدعوى قضائية بسبب اقتراحه مقاطع فيديو صنعها إرهابيون، مما شجع على هجوم في فرنسا، وإذا تم اعتبارهم مسؤولين عن ذلك، فسيؤدي ذلك إلى تغيير سنوات من المذاهب القانونية التي نصت على أن المنصات الرقمية ليست مسؤولة عن ما ينشره المستخدمين. ستحدد نتيجة القضية ما يُسمح به في السنوات القادمة و تلك النتيجة قد تعطل شركات مثل جوجل وميتا.
من الواضح للجميع في عالم التكنولوجيا أن عام 2023 سيكون الاختبار الحقيقي لعمالقة التكنولوجيا، وفي اول اسبوع من العام فقط اقالت امازون 18,000 موظف، مع توقعات بمزيد من الخفض في الأشهر القادمة. يجب أن يكون واضحًا الآن أنه سيكون عامًا صعبًا جدًا بالنسبة لوادي السيليكون، وسيكون الوقت وحده هو ما سيُخبرنا ما إذا كانوا سيعودون ليكونوا العمالقة الذين كانوا عليه ام سينتهون الى الأبد.