الأزمة المالية عام 2008

في عالم المال، غالبًا ما ننسى بسرعة مآسي الماضي. لكن رغم ذلك، لا بد من تعلم دروس قيمة من خلال استكشاف أسباب وآثار هذه المآسي مثل الأزمة المالية عام 2008. فرغم كل شيء، في عالم من القواعد والمنتجات والخدمات المتغيرة باستمرار، فإن التاريخ هو الشيء الثابت الوحيد الذي يمكن أن يرشدنا عبر المستقبل الغامض.

إنها أوائل الألفينات والمستثمرون يبحثون عن مصادر عوائد جديدة آمنة، لا تزال الأسهم والسندات تحظى بشعبية كبيرة لكن فقاعة التكنولوجيا في مطلع القرن أظهرت لهم أن استرداد أموالك من الشركات المفلسة قد يكون أمرًا صعبًا بعض الشيء، ولكن ماذا عن الرهون العقارية؟

الرهون العقارية


القرض الذي تأخذه عندما تريد شراء منزل.

فبعد كل شيء، بالنسبة لمقرضي الرهون العقارية تشبه هذه القروض إلى حد كبير السندات ذات المكافآت; فأنت كمقرض تتلقى فوائد بشكل منتظم وإذا تخلف المقترض عن السداد فستحصل على حيازة المنزل، وهو خيار احتياطي مفيد لأنه مع ارتفاع أسعار العقارات لن يمثل استرداد خسائرك مشكلة، لكن المستثمرين لا يرغبون في شراء القروض العقارية الفردية للمواطنين العاديين، فهذه وظيفة البنوك الاستثمارية.

Untitled design 2


البنوك الاستثمارية مؤسسات ضخمة برأس مال لكبير وخبرة صناعية قررت شراء جبال من الرهون العقارية من المقرضين، جمعها معًا، ثم بيع حصص منها للمستثمرين كسندات مدعومة بالرهون العقارية، مما يعني أن مشترين المنازل الآن يدفعون أقساط رهونهم العقارية للمستثمرين. المستثمرون يرون ذلك جيداً، وبدأ الكثير من الأفراد في التدفق للبنوك الاستثمارية لشراء سندات مدعومة ايضاً، ولم يقتصر الأمر على البنوك فقط، بل إن الحكومة في محاولة لتعزيز الإقراض العقاري استخدمت الشركتين اللتين ترعاهما “فاني ماي” و”فريدي ماك” لشراء السندات ايضاً.

وفي وقت قصير اصبح المقرضون يواجهون طلبًا لا نهاية له على القروض العقارية، والذي سيكونون أكثر من سعداء بإعطاءها، لأنه في كل مرة يبيعون فيها حقوق مدفوعات الفائدة الخاصة بهم، فإنهم يستعيدون أموالهم التي يمكنهم إقراضها مرة أخرى! رائع أليس كذلك؟ لذا فإن الإقراض العقاري وشراء المنازل ينطلقان بسرعة كبيرة، ويصبح المستثمرون أثرياء جدًا في هذه العملية.

لكن الشركات الأخرى قطار الرهون العقارية يسير بأقصى سرعة في مجال الاستثمار تشعر انها مستبعدة😔، وشركات التأمين راغبين في استغلال الموقف لجني الأرباح أيضاً💰 بدأوا في بيع تأمينات على العجز الائتماني وهي تأمينات تعيد للمقرض أمواله إذا تخلف مقترض الرهن العقاري عن السداد.

الى الآن يبدو الأمر كأنه طريقة مضمونة لكسب المال، فقالت شركات التأمين لماذا نتوقف عند بوليصة واحدة فقط لكل عقار وهناك مضاربون مهتمون بشرائها أيضًا. من المؤكد أن بيع 10 وثائق في نفس الرهن العقاري قد يبدو أمراً خطيرًا ومبالغًا فيه ولكن طالما أننا لا نشهد انهيارًا في سوق العقارات، فنحن نحصل على أموال مجانية!

وسرعان ما يقفز مبلغ الائتمان المؤمن عليه من 900 مليار إلى أكثر من 62 تريليون دولار، وعلى الرغم من ان شركات التأمين لا تملك ما يكفي من المال لتغطية هذا المبلغ، طالما أن الأمور مستمرة شركات التأمين تحقق ارباحاً كبيرة. الان كل شيء على ما يرام في العالم بفضل استمرار ارتفاع أسعار العقارات التي تدعم سلسلة التوريد القوية التي أُنشأت. هذا ما كان يفترض أن يحدث ولكن شيئًا ما بدأ في التغير

نظرًا لأن المقرضين يبيعون قروضهم، فقد فقدوا كل الدوافع لتجنب المخاطر، ومع ارتفاع الطلب على قروضهم العقارية، بدأوا في تقديم القروض لمقترضين أصحاب دخل منخفض مما يعني انه من المرجح عدم قدرتهم على تحمل دفع قسط الرهن العقاري، وبعض هذه القروض العقارية افخاخ توقع بالمقترضين تبدو وكأنها رهون عقارية آمنة منخفضة الفائدة ولكنها كانت مليئة بالشروط السيئة مثل تضخم أسعار الفائدة بعد عام واحد.

ولكن مقترضي القروض العقارية عالية المخاطر لم يلاحظوا هذه التفاصيل الدقيقة، وفجأة اصبح الكل يشتري منزلاً على الرغم من عدم وجود طريقة ممكنة لدى البعض لسداد رهونهم العقارية. ولا تزال البنوك الاستثمارية تأخذ كل ما يقدمه لها المقرضون. هذا يعني أن القنابل الموقوتة تشق طريقها إلى السندات المدعومة بالرهون العقارية التي يملكها المستثمرون.

المشتقات


ولكن هذا ليس كل شيء، فالبنوك الاستثمارية بدأت في بيع ما يسمى بـ”التزامات الديون المضمونة” او الـCDOs وهي مشابهة للسندات المدعومة بالرهون العقارية ولكن أكثر خطورة💀 وتدعي أنها خالية من المخاطر تقريبًا رغم أنها تمتلئ بأصول سامة. ولكن هذا ليس كل شيء أيضاً، فعلى الرغم من أن الناس لديهم الكثير من القروض العقارية للاستثمار فيها، إلا أنهم يستخدمون استثمارات مشتقة معقدة مثل التزامات الديون المضمونة لوضع المزيد من الرهانات على ما إذا كان الناس سيسددون أقساط رهونهم العقارية، وهو الذي اصبح أقل احمالا.

وكالات تصنيف الامان التي هي من المفترض ان تلاحظ ارتفاع مخاطر التخلف عن السداد وتخبر المستثمرين بأن ممتلكاتهم مليئة سامة و خطيرة لكنها صنفتها AAA وهو أعلى تصنيف للأمان. اصبح لدى الأمريكيين الآن نظام حيث لا يهتم المقرضون اذا سدد المقترضين أقساط الرهن العقاري لأنه مؤمن على أموالهم واذا تخلف المقترض عن السداد فسيستعيد أمواله من شركات التأمين، البنوك الاستثمارية لا تهتم بالمخاطر، ووكالات التصنيف المنشأة للناس في الأصل لا تهتم بذلك بالمستثمرين.

ولفترة من الوقت تظل شبكة الديون والمخاطر هذه ثابتة، لكنها مسألة وقت فقط قبل أن يبدأ المقترضون في التخلف عن السداد بسبب نفاذ أموالهم. وبحلول أكتوبر 2007 كان 3% من جميع قروض المنازل في الولايات المتحدة في طور الاسترداد بسبب تخلف أصحابها عن سداد أقساطهم، و 7% من المنازل مستحقة من شهر.

تأثير الدومينو


بدأت استثمارات الرهن العقاري تتحول إلى عقارات، وبدأت البنوك الاستثمارية في إغراق السوق بالمنازل المستردة، وسرعان ما بدأ العرض في الزيادة أكثر من الطلب، وفي عام 2008، حدث لأسعار العقارات ما لم يكن أحد مستعدًا له وبدأت في الانخفاض↙️. وهكذا يبدأ تأثير الدومينو الذي تمثل في الأزمة المالية عام 2008.

Leonardo Diffusion XL DOMINO FALL 3

تلقت الشركات المالية مثل شركات التأمين و البنوك الاستثمارية المشاركة في العقارات في ذلك الوقت ضربة قوية على الرغم من حصول 75% من التزامات الدين المضمونة الـCDOs على أعلى تصنيف للسلامة، 70% منهم تخلفوا عن السداد. بملاحظة البنوك الاستثمارية للمذبحة الذي تسببوا فيها توقفوا عن شراء الرهون العقارية من المقرضين، ووجدت شركات التأمين نفسها في مواجهة مدفوعات مستحيلة لأن الكثير من المقترضين تخلفوا عن دفع أقساطهم والمقرضين يريدون أموالهم الذي أمنت عليها هذه الشركات.

الآثار المخلفة


بدأت البنوك وشركات القروض والتأمين في الإغلاق، وعلى الرغم من محاولة الحكومة إنقاذ أكبر البنوك من حافة الدمار لأنه بانهيارها سينهار الاقاتصاد، حدث في 15 سبتمبر أكبر إفلاس في تاريخ الولايات المتحدة حيث انهار بنك ليمان براذرز الاستثماري الذي تبلغ أصوله أكثر من 600 مليار دولار

Untitled design 3


في هذه المرحلة كل من لديه أموال مدخرة يسحبها من السوق ويضعها في سندات الخزينة. الأمر الذي يؤدي إلى خسارة مؤشر الداو جونز وهو مؤشر صناعي لأكبر 30 شركة صناعية أمريكية في بورصة نيويورك ثلث قيمته، وفقدت الشركات التي تعتمد على القروض لتعمل إمكانية الوصول إلى تمويل حيوي

والدول التي لها علاقات مع الولايات المتحدة (ألمانيا والصين والمملكة المتحدة) تأثروا بالكارثة أيضًا. وبحلول عام 2009، توقف المحرك الاقتصادي العالمي. وفقد 2 مليون موظف أمريكي وظيفته خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 2008 فقط. ورغم أن الركود انتهي من الناحية الفنية في يونيو/حزيران 2009، فإن تأثير الأزمة ظل محسوساً لفترة طويلة بعد ذلك.

في النهاية


على الرغم من أن المؤسسات المالية تسببت في الكارثة برمتها، إلا أنها تلقت أكبر قدر من الأموال من محاولات الحكومة للانقاذ. وفي حين سيتم تقديم قانون يسمى “دود-فرانك” في عام 2010 للقضاء على ممارسات الإقراض في المؤسسات المالية، فإن المرء يأمل ألا نحتاج مرة أخرى إلى تنظيم يذكرنا بأن الجشع لا ينبغي أبدا أن يتفوق على الفطرة السليمة.

اقرأ مقالة كيف تساعدك الأتمتة في مجال المال والأعمال

شارك المقال