في غضون 5 أو 10 سنوات من المحتمل جدًا ألا يكون يوتيوب موجودًا بعد الآن. ببعض القرارات السيئة، يمكن أن يصبح يوتيوب مثل ماي سبيس الذي مات منذ 2009، ويبدو الآن أن تطبيق تيكتوك سيحل محل يوتيوب.
قام تيكتوك بتطوير نظام مقاطع الفيديو لتصل مدتها الى 10 دقائق في محاولة لتدمير يوتيوب، ولكن حتى اليوم مع المقاطع القصيرة المدمنة للناس سيتجاوز نمو تيكتوك يوتيوب قريبًا. تم إنشاء موقع يوتيوب قبل 17 عامًا وجمع أكثر من 2.1 مليار مستخدم شهري نشط في هذا الوقت، ولكن في عامين فقط، جمع تيكتوك أكثر من مليار مستخدم نشط شهريًا ولا يظهر أي علامات على التوقف،
وهذا هو السبب وراء قيام بعض أكبر مستخدمي يوتيوب وصانعي المحتوى بنقل المحتوى الخاص بهم إلى تيكتوك والمراهنة ضد يوتيوب والآن يحذو المستثمرون حذوهم أيضًا، حيث أظهرت الدراسات الحديثة أن الجيل الحديث يتفاعل الآن مع تيكتوك أكثر بكثير من يوتيوب، وبينما البعض متأكدون من استمرار نمو يوتيوب بسبب ان يوتيوب مثبت مسبقًا على كل هواتف الأندرويد مثل Mr beast و استراتيجية يوتيوب للربح، قد يتغير ذلك قريبًا جدًا.
في غضون خمس سنوات، قد يفقد موقع يوتيوب قريبًا احتكاره لمحتوى مقاطع الفيديو. إذن ما سبب تراجع اليوتيوب؟ وكيف تمكن تيك توك من السيطرة على عملاق اليوتيوب؟ حسنًا، كان هذا إلى حد كبير نتيجة لبعض القرارات التجارية التي سممت ببطء إبداع يوتيوب، ومن الغريب أن كل هذا بدأ مع بايبال.
الأصول

تبدأ قصة يوتيوب مع بايبال. في ذلك الوقت كان بايبال يُحدث ثورة في عالم التجارة و المعاملات البنكية، حيث غيّرهم بشكل كبير. بفضل بايبال أصبح بإمكان الجميع شراء وبيع الأشياء بشكل آمن دون متاعب التحويلات المصرفية. اصبحت عملية إرسال الأموال بسيطة وسريعة. كانت التغييرات التي أدخلها بايبال على الصناعة المصرفية عبر الإنترنت غير مسبوقة، لكن بايبال كان يستحوذ على فرصة واحدة صغيرة فقط في بحر الإنترنت كله، لأنه في ذلك الوقت لم يكن ممتلئاً بالشكل الحالي.
و 3 موظفين من باي بال: تشاد هورلي, ستيف تشين, و جواد كريم كانوا يعرفون ذلك، لذا كانت أمامهم الفرصة لبناء مشروعهم الخاص على الانترنت قبل ان يفوت الاوان و يمتلئ الانترنت أكثر، فكانت أول فكرة لهم موقع يسمى “تون إن” للمواعدة، ولكن كأغلب قصص وادي السيليكون، اول فكرة تكون غير ناجحة وتم هجر تون ان، ولكن موظفين باي بال لم يستسلموا بهذه السهولة لأنهم لم يكن لديهم وقت، كانت هذه فرصتهم الوحيدة للسيطرة على الانترنت، كانوا فقط يحتاجون إلى إيجاد الفكرة الصحيحة.
لذا جلصوا يفكرون ماذا يريد الناس؟ ما القيمة التي يمكن ان يقدموها لهم؟ ما هو الطلب على شيء لا يوجد من يوفره؟ وبينما هم يتناقشون في هذه الأفكار ذكر جواد كريم فيديو مشهور في ذلك الوقت وتحدث عن صعوبة إيجاد ذلك المقطع، كان من المستحيل ان تعود بالزمن وتشاهد تلك اللحظة او تجد المقطع على أحد المواقع،
وكان هذا اليوم الذي أتتهم الفكرة الذهبية، كانت هي الإجابة التي كانوا يبحثون عنها. طلب في السوق لا يوجد من يوفره ولا منافسة فيه، لذا استخدم موظفين باي بال البنية الأساسية من الشركة التي عملوا بها في السابق في بايبال وتون إن الذي لم ينجح ليعيدوا عملها في مشروعهم الجديد ليصنعوا موقعا يسمى ✨يوتيوب✨ في الرابع عشر من فبراير عام 2005. حالما وجدوا الفكرة المناسبة عمل ثلاث شبان ليلا ونهارا في اول مكتب يوتيوب لهم

ولم يكن هذا مكتبا غالياً في برج عال كما كان باي بال، بل كان هذا المكتب غرفة صغيرة مليئة بالفئران و سقف مكشوف فوق مطعم بيتزا، وفي الليل كانوا ينامون في بيوت أصدقائهم، مضحين بعلاقاتهم وحياتهم الشخصية و وقتهم وأموالهم على أمل النجاح، ومن حسن حظهم أن تضحياتهم كانت ستأتي ثمارها قريبا.
تصميم واجهة المستخدم البسيطة ليوتيوب وتصميم الموقع ككل اعطى للموقع شهرة كبيرة واعجب السوق بيوتيوب لذا سيطر يوتيوب على الانترنت بسرعة كبيرة، وبما أنهم كانوا متقدمين على أي منصة مقاطع فيديو اخرى بمسافة كبيرة بدأ يوتيوب في النمو بشكل غير عادي
ولكن كان يوجد الكثير من المشاكل التي تحتاج الحل، المشكلة التي كانت تضغط عليهم بشدة هي قلة الأموال، فقد استدانوا ديون شخصية لدفع تكاليف الخوادم التي تشغل يوتيوب، ولكن في الصورة الكبيرة هذا لم يهم، فقاعدة مستخدمي يوتيوب كانت تستمر في الارتفاع كالصاروخ،
ولكن استراتيجية نجاح يوتيوب كانت مرهقة ومجهدة للغاية، لأنه في ذلك الوقت نجاح يوتيوب بالكامل كان يعتمد على الأموال الشخصية للمؤسسين الثلاثة الى ان يستطيعوا جذب مستثمرين. الخطة كانت أنه حالما يصبح المستثمرين مهتمين بيوتيوب نجاح الموقع كان سيكون مؤكداً، ولكن كان هناك مشكلة وهي انه اذا لم يأتي مستثمرون في الوقت المناسب، الموقع بالكامل سوف ينهار.
كانت اوقاتاً صعبة ليوتيوب لأن نمو يوتيوب كان كبيرا جدا لدرجة ان انه كان شيئاً حتمياً ان ينضم المستثمرون له، أم هل كانوا سينضمون فعلاً؟ لأنه حتى مع هذا النمو المثير يوتيوب لم يكن يثير إعجاب المستثمرين، لماذا؟ لأن المستثمرون لم يروا يوتيوب مشروعا مناسبا، فاضطر مؤسسي يوتيوب لإتخاذ قرارات يائسة.
تواصل المؤسسون مع زملائهم السابقين في باي بال الذين يديرون شركات الأموال الاستثمارية، وبضغوطات كافية حصل المؤسسون أخيرا على استثمار بقيمة 3.5 مليون دولار، وتم حل مشكلة المال لديهم و أخيراً بدا أن يوتيوب يبدأ في النجاح.
كان يستمر الموقع في النمو، وبالاستثمارات كان بإمكانهم تحسين خدمات يوتيوب، منها تطوير نظام العمل لجعل مقاطع يوتيوب تعمل في المواقع الأخرى والتي كانت حركة حيوية في 2005 لأن موقع ماي سبيس كان هو موقع التواصل الاجتماعي الذي يستعمله الجميع في ذلك الوقت، وعلى ماي سبيس كان المستخدمون يرفعون مقاطع الفيديو المفضلة لهم على صفحاتهم، وبرفع فيديوهاتهم المفضلة على حساباتهم اكتسب هذا ليوتيوب الكثير من المشاهدين والشهرة
وبكل هذا النمو والازدهار اصبح يوتيوب الان يجذب انتباه الكثيرين. ولكن ليس دائما من الأماكن المناسبة،
لأنه بنمو وشهرة يوتيوب كانت تُرفع مقاطع فيديو اكثر كل يوم مما جعل الأمر صعبا لتجنب المقاطع ذات حقوق النشر من التكاثر على المنصة، هذا تسبب في سلسلة من الدعوات القضائية والتهديدات ليوتيوب.
كانت هذه ثغرة كبيرة في الموقع الشهير يمكن ان تدمر امبراطورية يوتيوب بالكامل. يوتيوب حاول عمل اتفاقيات مع حاملي حقوق النشر مثل يونيفرس و Viacom ولكن الضغوطات المتراكمة من كل الجوانب ضلت تكثر مع نمو يوتيوب،
كل شركة ضخمة أرادت ان تدمر يوتيوب، كانوا تهديدا على الصناعة الترفيهية بأكملها، وبعد سنة أخرى في 2006 هذه المشاكل أثبتت لهذه الشركة الصغيرة أنه لا يمكن التغلب عليها، فكان على المؤسسين الآن ان يتخذوا اختياراً كبيراً. هل سيجعلون يوتيوب واحداً من اكبر المواقع في العالم ام سيبعونه؟
كانوا يعرفون بالفعل ما يمكن للشركات الضخمة ان تفعله في شركة ناشئة وموظفيها من وقت عملهم في باي بال، ولكن مشاكل حقوق النشر كانت تزيد سوءاً.
كانوا يقتربون من المرحلة النهائية من نموذج عمل وادي السيليكون.
النموذج هو 1- صنع موقع من الصفر. 2-بناء أسس صلبة. 3- بناء قاعدة مستخدمين كبيرة. و 4- جذب المستثمرين. ولكن الآن هم يقتربون من المرحلة النهائية، المرحلة التي أدركوا فيها أنهم لا يمكنهم عمل ربح أو حتى التعامل مع الدعاوى القضائية التي لا حصر لها التي تستهدفهم، فقرروا أنه حان الوقت ليقفزوا من السفينة الغارقة ويبدأوا عملية الاغتنام.
الآن من المهم تقديم شخصية جديدة ستكون مهمة للغاية فيما بعد، سوزان وجسكي. سوزان كانت واحدة من أوائل موظفي جوجل في 1999، تركيزها في ذلك الوقت في جوجل كان في الدعاية وكانت بارعة جدا في عملها. اخترعت اعلانات جوجل “Google Ads” و أدسينس “Adsense” الذي أصبح شريان الحياة لكل صناع المحتوى على الإنترنت،
ولكن أكثر شيء مثير للإعجاب قامت به هو إقناع مؤسسي جوجل بشراء يوتيوب في 2006، لانه بإقناعهم بشراء يوتيوب جعل هذا جوجل تتخذ افضل واكثر القرارات ربحية منذ تأسيسها، والشخص وراء كل ذلك هو سوزان وجسكي،
لذا بعد ان اشترت جوجل يوتيوب ب1.65 مليار دولار اصبح مؤسسي يوتيوب الان مليونيرات، ولكن كانت هذه فقط البداية ليوتيوب
العصر الذهبي ليوتيوب
في البداية عملت الصفقة بشكل ممتاز ليوتيوب؛ استخدمت جوجل قوتها لحماية يوتيوب من تكالب شركات الإعلام الضخمة على تلك الشركة الصغيرة و حلت مشاكل الدعاوى القضائية وحقوق النشر، بينما استمر تشاد هورلي في دوره كالمدير التنفيذي ليوتيوب ونمّى الشركة بالرؤية الأصلية التي تأسس عليها يوتيوب. هذا المزيج من اموال وقوة جوجل ورؤية تشاد صنعا عصراً ذهبياً للانترنت، اصبح يوتيوب مكانا يسمح لأصحاب المحتوى باستعادة القوة من شركات الإعلام الكبرى.
حصل صانعوا المحتوى على نسب مشاهدات نافست شركات الإعلام ضخمة مثل سي ان ان، و فوكس، و ديزني، والشيء الأفضل هو أنه كان بإمكان أي شخص أن يفعلها! يمكنك ان تصنع مقطع فيديو عن اي شيء وكل شيء وتحصل على نسبة مشاهدات ضخمة،
مما اعطى لليوتيوبرز كما هائلا من الحرية الإبداعية بينما يعطون المشاهدين ايضاً المحتوى الذي يريدون مشاهدته. كانت هذه نواة يوتيوب، مكان يمكن لأي شخص في أي مكان أن يعبر عن رأيه وابداعه وشخصيته للعالم ويكافأ على ذلك.
الميمز (الصور الساخرة) والاغاني والكارتون ومقاطع الفيديو الساخرة والاخبار، كل شيء.
في الحقيقه بدون كل هذا يوتيوب كان سيفشل، لماذا؟ لأنه ما كان يجعل يوتيوب يختلف عن اي موقع اخر هو الانتشار والإبداع. المقاطع التي كانت تكسب شهرة و مشاهدات كبيرة كانت هي العامل الرئيسي لنمو يوتيوب، وبشهرة هذه المقاطع صانعي المحتوى الآخرين كانوا يلاحظون ذلك ويملأون المنصة بمقاطع فيديو اخرى للتنافس على المشاهدات، لهذا السبب كان شعار يوتيوب وقتها هو “عبر عن نفسك”.

وبكل هؤلاء الناس يقفزون الى يوتيوب للحصول على نصيبهم من الكعكة يوتيوب أدرك أنه بدون هؤلاء الناس الموقع ما كان ليكون. صانعي المحتوى المستقلين هؤلاء كانوا دم الحياة ليوتيوب. لذا في ديسمبر 2007 يوتيوب اطلق برنامج سمح للقنوات التي تقابل شروط محددة أن تدير الإعلانات على مقاطع الفيديو الخاصة بها ويكسبون الاموال مقابل هذا. هكذا نشأ يوتيوب بشكله الحديث اليوم، لأنه بتحفيز صانعي محتوى بالاموال ادى ذلك إلى منافسة أكثر
وكانت المنافسة المستمرة بين صانعي المحتوى في يوتيوب التي هي فعل كل شيء في قدرتهم للحصول على اعجابات ومشتركين وتفاعل أعطت يوتيوب قيمة أكثر من ان يحلم بها التلفزيون. في الحقيقة، ذلك جعل يوتيوب مشهورا جدا لدرجه انه بعد 2007 فقط حصل يوتيوب على توسع اكثر من الانترنت باكمله عام 2000، فقد سُجل في عام 2010 ان يوتيوب كان يتم رفع 2 مليار فيديو عليه كل يوم، والذي كان تقريبا ضعف جمهور أكبر ثلاث شبكات تلفزيون مجتمعين في وقت ذروتهم.
حسب أشخاص في شركة كوم سكور، يوتيوب كان اشهر مصدر لمقاطع الفيديو على الانترنت في الولايات المتحدة في مايو 2010 بحصة سوقية تبلغ حوالي 43% واكثر من 14 مليار فيديو تم مشاهدته. كان من الواضح ان يوتيوب لا يمكن ايقافه. المنصة كانت ترفه المستخدمين كل يوم. نمو يوتيوب ولّد موجة جديدة من الإبداع وأنجب الحقبة الثورية في تاريخ الإنترنت. كان هذا العصر الذهبي للانترنت.
تحفيز افضل واكثر صانعي المحتوى ابداعا لصنع مقاطع فيديو تجلب التفاعل أمر لا يمكنك ايجاده في اي مكان اخر، يوتيوب كان بلا شك أفضل موقع صُنع في التاريخ، كان يرسل موجات صادمه حول العالم، كل شيء كان ممتازاً وقتها! او بدا كذلك، لأن يوتيوب لم يكن ربحياً فعلا، رغم انه حتى الان حصل على قاعدة مستخدمين كبيرة، الشركات كانت ما تزال لا ترى القيمة في وضع اعلاناتهم على يوتيوب.
وإذا لم يجد يوتيوب مالا بسرعة، فلن يستطيع صانعي المحتوى الحصول على أموال، وفي النهاية سوف يتركون المنصة اذا استمرت هذه المشكلة. كانت ستكون هذه نهاية يوتيوب، لذا احتاجت جوجل لشخص يمكنه تحويل يوتيوب الى ما تريده الشركات ان يكون لتوافق على وضع إعلاناتها، وبالطبع بأداء سوزان وجيسكي السابق كانت هي الشخص المثالي لهذه المهمة، فقد كانت هي السبب في علاقة جوجل بيوتيوب في المقام الاول. من المرجح جدا انه بدون سوزان لم تكن لتشتري جوجل يوتيوب ابداً.
قلنا من قبل انها كانت تعمل في الدعاية لجوجل والاهم انها صنعت ادسينس. ادسينس كان هو المال وراء البرنامج الذي كان يعطي صانعي المحتوى على يوتيوب نسبة مناسبة من الربح الخاص بالاعلانات على اليوتيوب. بدون ادسينس لم يكن ليكون صانعي المحتوى المفضلين لك على يوتيوب موجودين الان، يوتيوب لم يكن ليكون موجوداً الآن حتى. في الحقيقة كان بفضل ادسينس انه بدأت شركات اعلامية كبيرة مثل Vice وVox وBuzzfeed في الظهور،

والأكثر أهمية انه حفز اشخاص كثر اصحاب مهارات ان يلاحقوا ابداعهم وشغفهم على امل صنع مصدر دخل، والذي أُثبت بتدفق كثير من صناع المحتوى للانضمام الى يوتيوب على امل تحقيق احلامهم. بحلول 2013 يوتيوب كان به مليون عضو في برنامج الربحية من الاعلانات، والذي كان اكثر بـ 30 ضعفا عن العام السابق، لكن يوتيوب لم يكن يستطيع الاستمرار في ذلك، فكمية صانعي المحتوى الذين ينضمون الى المنصة كانت تضغط على يوتيوب ليجد تمويلا بسرعة.
احد الأسباب الرئيسية ان الشركات لم تكن تريد ان تعلن عن نفسها على يوتيوب كان نظام اعلانات يوتيوب السيء. النظام كان يسمى “تروفيو”، وهو ما تراه عندما يظهر اعلان قبل الفيديو بزر تخطي صغير في الجانب،
تروفيو يختبر و يصنع التقارير على كل البيانات للاعلان الذي يظهر وهو ايضاً ما تستخدمه جوجل لوضع الاعلانات على خدماتها، لكن تروفيو في ذلك الوقت كان معقدا جدا. لم يكن دقيقا للغاية ولم يكن جيدا بما يكفي للاعلانات، لذا جوجل كانت بحاجة لصنع قرار مهم، وهو اما الاهتمام بالشركات التي تعرض اعلاناتها او الاهتمام بصانعي المحتوى، و أيهما سيؤثر أكثر على مستقبل يوتيوب.
من الواضح ان جوجل كانت تفهم أهمية الاعلانات، لذا سوزان كانت هي المدير التنفيذي المثالي لهذه الوظيفة، لأنه بفضل سوزان تروفيو تم صقله ويوتيوب وسع ارباحه اكثر بالاعلانات و تجاوز نسبة مشاهدة شبكات التلفزيون بكثير مع حصوله أيضًا على دعم الشركات المعلنة اصحاب الميزانية الكبيرة.
بدا ان سوزان حلت سؤال المليار دولار، كانت الآن تحقق ليوتيوب أطناناً من الربح ونسبة مشاهدات اكبر، وبأرباح اكثر يمكن ليوتيوب استثمار هذه الأرباح في كسب مشاهدات اكثر. كانت حركة تجارية عبقرية، وعلى السطح بدا ان كل شيء تم حله، ولكن بكل قرار تأتي عواقب غير متوقعة، ونتيجة ذلك ستكون أكثر وضوحا في الاعوام القادمة.
لكن في هذه النقطة يوتيوب وجد الطريقة المثالية بكسب نسبة مشاهدات تاريخية بجانب الدعم من الإعلانات من الشركات الكبيرة. هذا اعطى ليوتيوب اموالاً كثيرة ليعيدوا استثمارها لجعل الموقع افضل، بجانب اعطاء صانعي المحتوى حافز اكثر لرفع مقاطع فيديو اكثر جودة، ولكن كما قلنا من قبل كل شيء وأي شيء يمكن ان يتم رفعه على يوتيوب.
مقاطع فيديو مقززة، تشدد وتطرف، مقاطع فيديو عن نظريات الارض المسطحة، معلومات مضللة، العنصرية، اي شيء بكل معنى الكلمة. لان ذلك كان هو نواة يوتيوب، مكان لأي شخص ليعبر عن نفسه، والذي كان شيئاً عظيما لكل الناس حول العالم الا الشركات المعلنة.
كانت لدى الشركات شكوك حول ما إذا كانت اعلاناتهم تظهر ام لا، لذا اصبح المعلنون ينسحبون من يوتيوب بسرعة. شركات مثل بيبسي، وBMW وابل، لذا في محاولة يائسة لإبقاء هؤلاء المعلنين على يوتيوب، يوتيوب نفذ قواعد رقابية مشددة جداً، مما ادى الى تقييد مصدر الدخل لصانعي المحتوى
قام يوتيوب بذلك للحرص على ان كل الجوانب مغطاة وان المعلمين راضين. في الحقيقه وصل تشدد الرقابة لدرجة أن فريق سياسات يوتيوب (الأشخاص الذين يقررون ما هو مقبول وما ليس مقبول) أصبحوا غير قابلين للوصول من قبل اي صانع محتوى او حتى موظفي يوتيوب انفسهم للتأكد ان رد الفعل العنيف يكون اقل ما يمكن.
جعل ذلك الرقابة غامضة، لم يكن لدى صانع المحتوى فكرة اذا كان مقطعه سيتم ازالته ام لا، كان الأمر متروكا لفريق السياسات الغامض ذلك، وهذا أجبر صانعي المحتوى ان يصبحوا نظيفين للغاية على امل ان فريق سياسات يوتيوب لن يقيد مصدر دخلهم من يوتيوب ويحجب اي شيء يصنعونه،
وفي فبراير 2017 مجلة التايمز الخاصة بلندن افادت ان يوتيوب يمول اعلانات لمقاطع فيديو من مؤسسات “ارهابية” و مؤسسات اخري تسهب محتوى كاره وبغيض، وبينما يمكن أن تكون هذه الادعاءات مشكوك فيها، خصوصا ان المؤسسات الاعلامية على التلفزيون مهددة بالكامل بسبب يوتيوب، تم تصديقها. لانه في الاشهر المقبلة معلنون كبار مثل AT&T وبيبسي هددوا بسحب اعلاناتهم من يوتيوب بعد اكتشافهم ان اعلاناتهم يتم نشرها على فيديوهات ومحتوى يروج “للارهاب” و”معاداة السامية” حسب ادعائهم
لذا سوزان وجيسكي كان يجب ان تتخذ اجراءات جذرية عنيفة، فعملت مع المعلنين للتأكد ان اعلاناتهم يتم وضعها على انواع محددة من المحتوى. الآن قد يبدو ذلك معقولاً وربما كان الخيار الوحيد امام سوزان وجسكي، ولكن بفعل هذا تم قطع الاتصال بين صانعي المحتوى و جماهيرهم، مما بدأ ببطء الى تدمير كل ما بناه يوتيوب في الماضي،
ولكن في ذلك الوقت لم يكن هناك اي منافس ليوتيوب، ويوتيوب كان لديهم الاحتكار على محتوى مقاطع الفيديو وكان لا يمكن تدميره، لذا كانوا يفعلون ما يريدونه، وكل صانع محتوى لم يكن لديه خيار الا ان يتبع أوامرهم. لذا يوتيوب كان يقيد دخلهم، ويحجب محتواهم بشكل قاسي هذه الفترة كما شاء، وعرفت هذه الفترة بـ”قيامة الاعلانات” لأن كل صانعي المحتوى عانوا من هذه العواقب و تم تقييد تحقيق الدخل لعدد لا يحصى له من مقاطع الفيديو.
في بعض الحالات كان بسبب سياسات المحتوى الجديدة. العديد من المقاطع تمت إزالتها والقنوات التي كانت ترفعها كانت تاخذ انذاراً، وعندما تحصل القناة على ثلاث انذارات كانت هذه نهاية القناة و يتم حذفها على الفور، وهذا ما حصل مع مئات الآلاف من صانعي المحتوى، كل ذلك من اجل الاعلانات والدعاية، ولكن ما جعل ذلك اسوأ هو ازدواجية المعايير التي تطبقها يوتيوب، لأنك اذا كنت من النخبة في يوتيوب يمكنك ان تتجاهل تماما هذه القواعد ويتم ترقيتك على ذلك ايضاً.
مثل حادثة اليوتيوبر لوجان بول في اليابان عندما صور مقطع يضحك فيه مع اصدقائه على جثة شخص معلقة في الغابة. المقطع حصل على 6 ملايين مشاهدة قبل ان يقرر لوجان ازالته. النقطة المهمة هنا هو ان لوجان أزال المقطع بنفسه وليس يوتيوب رغم ان المقطع يخرق قواعد يوتيوب بالكامل، بل وضعوا المقطع في قائمة افضل 10 هبات التي يختارها موظفي يوتيوب يدوياً ورفض يوتيوب حتى ان يضع حداً للأعمار التي يُسمح لها بالمشاهدة على هذا الفيديو، وهناك العديد من الأمثلة مثل هذا يمكنك ان تراها بوضوح في المقاطع الموسيقية الأجنبية كأبسط مثال
المقاطع الموسيقية بها عري الى حد كبير، واساءة للاطفال والنساء، كل هذه المقاطع موضوعة في برامج الدخل ويتم ترقيتها وتعليقها بشكل مستمر على يوتيوب، بينما مقاطع فيديو مثل اليميني جوردن بيترسون وهو يدافع عن نفسه من ادعاءات العنصرية يتم ازالتها بشكل مستمر في جميع انحاء يوتيوب. في الحقيقة كل المقاطع السياسية يتم الرقابة عليها بشكل مباشر ويتم مضايقتها بداية من تحذيرات بالازالة من برامج الدخل إلى تقييد ظهورها للمتابعين و لا تظهر للكثير. الا بالطبع ان لم تكن صانع محتوى مستقل، لان الطريقة الوحيدة ألا يتم اسكاتك وتقييد دخلك بسبب آرائك السياسية هو ان يكون لديك الرأي السياسي الصحيح (بالنسبة ليوتيوب) مع دعم الشركات الكبيرة
او اذا تخطيت الرقابة من يوتيوب وناقشت في مقطعك شيئا مثل الرموز الرقمية (رموز الـQR) يمكن ان يستهدفك يوتيوب بينما إذا كنت تابعا لمؤسسة اعلامية مثل CNN او BBC او الجزيرة او العربية الخ… سوف تُعامل معاملة مميزة ويتم رفع وصول فيديوهاتك لعدد اكبر من المستخدمين بشكل مستمر، وهذا لا يحدث فقط للمقاطع السياسية بل يحدث لكل صانع محتوى في المنصة كلها.
من بضع سنوات تم حظر وصول قناة Pewdiepie، القناة ذات اكبر عدد مشتركين على يوتيوب، حتى قناة سكاي نيوز الأسترالية، تم حظرها لاكثر من اسبوع بسبب “بث مقابلة عن نظريات غير مؤكدة حول الفيروس الجديد” حسب قول يوتيوب
حتى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تم حظره من يوتيوب، وهذه ليست نظريات مؤامرة، فما يفعله يوتيوب مماثل مع تقريبا كل اليوتيوبرز. قواعد يوتيوب الإرشادية تتغير على الأقل مرة كل ثلاثة أشهر منذ 2020، وفي كل مرة تصبح أكثر صرامة، لهذا، المحتوى الذي كان مقبولا منذ سنوات قليلة اصبح الان تتم ازالته او تقييد تحقيق الدخل منه، فقط لأن إصدارً جديدً من الخوارزميات في يوتيوب تغير قليلاً. هذا يغير كثيرا الفكرة التي تأسس عليها و عرف بها يوتيوب. لم يعد يوتيوب للكل ان يرفع محتواً بعد الآن.
وكما قال فيليب ديك “الاداة الاساسية للتلاعب بالواقع هي التلاعب بالكلمات. اذا أمكنك التحكم في معاني الكلمات يمكنك التحكم بالأشخاص الذين يستخدمون هذه الكلمات”. بصنع هذه القرارات، يوتيوب يعارض العالم المثالي لحرية التعبير الذي كان يعرف به في الماضي، وبفعل هذا يوتيوب صنع فراغا كبيرا في السوق. فراغ سيملؤه تيك توك.
القتل البطيء

الآن قد يبدو الأمر مبكراً لقول ان يوتيوب يحذو طريق ماي سبيس، ولكن جميع العوامل التي ادت لسقوط ماي سبيس هي بالضبط نفس العوامل التي تعمل ضد يوتيوب اليوم. في 2009 فيسبوك تجاوز ماي سبيس في عدد تفاعل المستخدمين وتحكم في السوق مدمرا ماي سبيس، والسبب الشائع وراء الانخفاض الكبير في شعبية ماي سبيس جاء بسبب مصالح الشركات و بسبب نموذج ادارة الأعمال القديم لماي سبيس.
في 2006 جوجل تعهدت ب 900 مليون دولار في صفقة اعلانات مع ماي سبيس، لذا امتلأ الموقع بالاعلانات، وبهذه الكمية من الاعلانات على ماي سبيس بجانب واجهة المستخدم السيئة لماي سبيس، اصبح ماي سبيس بسرعة موقعا قبيحاً وقديم الطراز، هذا جعل فيسبوك الخيار الآخر للمستخدمين، ولكن المشكلة لم تكن فقط في واجهة المستخدم لماي سبيس، المشكلة الرئيسية كانت ان الاعلانات اصبحت سيئة جداً على الموقع حتى بدأت تعيق وظيفة ومهام الموقع.
من أخطاء الموقع انه كان يركز على تجربة الشركات المعلنة و اعلاناتها وليس المستخدمين، بطريقة مخيفة هذه احدى العلامات المشابهة الكثيرة بين ماي سبيس ويوتيوب. عامل رئيسي آخر في سقوط ماي سبيس هو ان ماي سبيس لم يستطع جذب جمهور الشباب. في وقت صعود فيسبوك وماي سبيس، احد عوامل القوة لفيسبوك كانت قدرته على جذب الجمهور صغير السن أكثر من ماي سبيس، وتيك توك هو نفس الشيء بالضبط، قاعدة مستخدمين تيك توك لديها جمهور من الشباب أكثر بكثير من قاعدة مستخدمي يوتيوب، والمشكلة في الجمهور كبير السن كارثية أكثر مما تبدو.
احد اقوى عوامل الجذب ليوتيوب هي قدرته على تشهير صناع المحتوى صغار السن بشكل كبير. في عصر يوتيوب الذهبي، الثقافة السائدة في يوتيوب كانت الابداع والحماس والشهرة. كان يمكن لأي شخص أن ينجح على يوتيوب بمقطع واحد فقط يتم إشهاره وهو ما يكون بعد ذلك بداية مهنة ناجحة على الموقع، ولكن هذا ليس الوضع الان، فمعظم نجوم الانترنت اليوم يأتون من تيك توك او مواقع اخرى غير يوتيوب.
يوتيوب حسموا مصيرهم في هذا الصدد بتقييدهم لمصادر دخل صانعي المحتوى الجدد، وهو ما يصب مباشرة في مصلحة تيك توك. كل هذه العوامل تماما كما أدت الى سقوط ماي سبيس وصعود فيسبوك ستؤدي الى تغلب تيك توك على يوتيوب، والعملية قيد التنفيذ بالفعل. استغرق يوتيوب 17 عاما لجني 2.1 مليار مستخدم شهري بينما تيك توك في سنتين فقط جنى أكثر من 1 مليار مستخدم شهري ولا يُظهر اي علامات على التوقف. في البداية قد يبدو أن هذان الموقعان لا يتنافسان، فإن تيك توك مشهور بالمقاطع القصيرة التي تكافئ الابداع والمزاح وخفة الظل، لكن لا يوجد حقا مقاطع تعميقية على تيك توك.
وبرؤيه ان اطول مده لمقاطع تيك توك هي ثلاث دقائق فقط، تيك توك لا يبدو حقا انه ينافس يوتيوب في المقاطع الطويلة التقليدية، ولكن هذا يتغير من كلا الجانبين؛ يوتيوب يضعون تركيزهم اكثر واكثر في مقاطع يوتيوب القصيرة، لهذا أنت الآن ترى معظم صانعي محتوى يوتيوب المفضلين لديك يرفعون مقاطع قصيرة على يوتيوب لأن هذه محاولة يائسة لسحق المنافسة مع تيك توك.
تيك توك على الناحية الاخرى يحاول تمديد مقاطع الفيديو فيه الى 10 دقائق. هذه التحركات من كلا الشركتين تضع المنصتان في منافسة مباشرة مع بعضهما، لأن المستخدمين عادة ما يلتزمون بمنصة واحدة، وبنمو تيك توك الاسرع وجمهوره الأصغر سنا يبدو ان هذه المعركة لا يمكن ربحها بالنسبة ليوتيوب، وبإضافة تيك توك الى خاصية المقاطع الطويلة سوف يصنع هذا مشاكل أكثر ليوتيوب
لان يوتيوب كان يحتكر المقاطع الموسيقية. اذا كنت مغنياً وتريد ان تحصل أغانيك على اي نوع من الشهرة على الانترنت كان يجب ان ترفعها على يوتيوب. المقاطع الموسيقية كانت ايضا اهم عوامل الجذب ليوتيوب. اكثر 10 مقاطع مشاهدة على يوتيوب هي شكل من اشكال المقاطع الموسيقية. اعتمد يوتيوب أيضًا في الكثير من عمليات تحقيق الدخل على مقاطع الفيديو الموسيقية.
كل هذا يعني انه اذا بدأ تيك توك في تقليص هيمنة يوتيوب على سوق المقاطع الموسيقية يمكن أن يأخذ حصة كبيرة من قاعدة مستخدمي يوتيوب بجانب الدخل الذي يأتي من ورائه. هذه طريقة اخرى تيك توك سيحرز بها تقدما على يوتيوب في السنين القادمة، ولكن المسمار الأخير والأهم في نعش يوتيوب هو خصخصته التي دفعت الميزة الإبداعية فيه إلى القاع.
الآن، تيك توك يستحوذ على الاعمدة الاساسية التي اوصلت يوتيوب الى نجاحه، لأن تيك توك يجعل الامر سهلا جدا لأي مستخدم ان يصبح مشهوراً بدون متابعين سابقين، ويوفر جمهوراً للملايين بدون تقييد وصولهم للمستخدمين او صرامة الرقابة عليهم او تقييد مصدر دخلهم كما يفعل يوتيوب مع صانعي المحتوى فيه، لهذا 13 حساب تيك توك يصلون الى مليون متابع يومياً مقارنة بيوتيوب حيث يصل خمس يوتيوبرز فقط الى مليون مشترك في اليوم
لأن تيك توك يجعل الامر اسهل بكثير لتصبح مشهوراً. كل ما تحتاجه هو موسيقى جيدة و تطبيق تيك توك ويمكن ان يصبح مقطعك الهبة الجديدة، بينما على يوتيوب يستغرق الأمر أشهر وسنين لتجني جزءاً صغيراً مما يحصل عليه فيديو تيك توك بسيط.
و بالواجهة الرائعة لتيك توك والخوارزميات التي تحرص على ابقاء المستخدم لفترة طويلة على البرنامج و المقاطع القصيرة الماصّة للدوبامين، تيك توك اصبح تطبيقاً ادمانياً جداً، فمستخدم تيك توك المتوسط يستخدم البرنامج 52 دقيقة يوميا، بينما مستخدم يوتيوب المتوسط يستخدم البرنامج 11 دقيقة يومياً على التطبيق.
يبدو الوضع واضحًا جدًا أنه بإسكات يوتيوب للآراء، وقتل الإبداع، والترويج لوسائل الإعلام والإعلانات الخاصة بالشركات على المنصة، ان يوتيوب يدفع صانعي المحتوى و جماهيرهم للبحث عن منصة اخرى
وهو أمر محزنٌ جداً لأنه عكس باقي منصات التواصل الاجتماعي، يوتيوب جيد للعالم نسبيا. يوتيوب طالما كان منصة محبوبة للجميع، والمنصة الاقل كآبة وتأثيراً سلبيا على الشباب (عكس تويتر على سبيل المثال)، ولكن في المجمل قرارات وأفعال يوتيوب تخرب المنصة وتيك توك يسيطر الآن، لأن تيك توك طريقة جديدة ومحسنة لتعبر عن نفسك كمستخدم.
تيك توك يفعل ما نسيه يوتيوب، وللأسف من هذه النقطة لا يبدو انه يوجد حل ينقذ يوتيوب هذه المرة.
اقرأ مقالة بايبال سيختفي خلال 5 سنوات