لماذا تحسن الاقتصاد الأمريكي جيد لنا؟

حسب ما تقرأه، الاقتصاد الأمريكي في طريقه إلى التعافي بعد الأزمة التي سببها وباء كورونا و الأسواق مزدهرة وثقة المستهلك جيدة، أو أن الاقتصاد يتعثر ويترك الملايين من الأمريكيين تحت تهديد انعدام الأمن الغذائي والتشرد ولن يتم إصلاحه في أي وقت قريب. العالم كله يحاول العودة إلى المسار الصحيح، لكن المدة التي سيستغرقها ستعتمد كثيرًا على الشعب الأمريكي. لأن ما يحدث في الولايات المتحدة له تأثير حقيقي على بقية العالم. لذا فمن الذي بنى الاقتصاد الأمريكي القوي قبل تفشي الوباء؟ هل التعافي بدأ في التباطؤ؟ وهل أصبح عدم المساواة أسوأ وليس أفضل؟

من خلال بعض التدابير، الصين تعتبر هذه الأيام أكبر اقتصاد في العالم، ولكن عندما تنظر إلى قيمة جميع سلعها وخدماتها سنجد انه لا تزال الولايات المتحدة هي رقم واحد، فما هو الاقتصاد الأمريكي؟ إنه وادي السيليكون، هوليوود، والنفط، إنه مختلط إلى حد كبير.

قوة الدولار والاقتصاد الامريكي قد يكون شئ جيد لنا

الولايات المتحدة هي أيضًا أهم وجهة صادرات لخُمس بلدان العالم، وذلك لأن الأمريكيين يستهلكون كثيراً لدرجة أنهم هم محرك الاقتصاد الأمريكي. المحرك الرئيسي هو الإنفاق الاستهلاكي، فهو يمثل ما يقرب من ثلثي النمو الاقتصادي الأمريكي، وهذا يعني انه حرفياً قيام المستهلكين بإخراج المال من جيوبهم وشراء الأشياء هو اهم ما يقود الاقتصاد الأمريكي،

وكل ذلك ينعكس في جميع أنحاء نسيج الاقتصاد العالمي، لذلك عندما يكون المستهلكون الأمريكيون في حالة جيدة، فهذا يعني في الواقع أن الشركات والموظفين والمستهلكين في الأجزاء أخرى من العالم في حالة جيدة أيضاً. سبب آخر يجعل اقتصاد الولايات المتحدة مهم لنا جميعًا هو أن الدولار الأمريكي هو ملك العملات بلا منازع، تتم معظم المعاملات والتجارة العالمية بأشياء مثل النفط والذهب بالدولار الأمريكي.

لم تكن هذه هي الطريقة المعتمدة دائماً، حيث اعتادت الدول تسوية المعاملات الدولية بالذهب، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية كانت البلدان بحاجة إلى مزيد من المرونة لإعادة بناء اقتصاداتها، واختارت ربط عملاتها بالدولار لأن الولايات المتحدة كان لديها اكبر احتياطي ذهب في ذلك الوقت

يمكن أن يكون الدولار القوي جيدًا أو سيئًا اعتمادًا على هويتك. اليابان مثلاً تحتاج إلى أن يكون الدولار أقوى مقابل الين الياباني حتى يتمكن المستهلكون الأمريكيون من شراء المزيد من المنتجات اليابانية، لكن دولة مثل تركيا تفضل عملة أمريكية أضعف لأن البنوك والشركات هناك عليها الكثير من الديون بالدولار. في بلدان أخرى يمكن للدولار القوي أن يغذي التضخم مثل في الأرجنتين و مصر، حيث يؤدي ارتفاع سعر الدولار إلى ارتفاع أسعار الأشياء الأساسية مثل المواد الغذائية.

في الولايات المتحدة يجعل الدولار القوي السلع المستوردة أرخص، لكنه يمكن أن يضر المصنعين الأمريكيين من خلال جعل سلعهم أكثر تكلفة في الخارج. ولكن بشكل عام يُنظر إلى الدولار إلى حد كبير على أنه عملة آمنة، أثناء الوباء ارتفع سعرها بالفعل.

وباء كورونا

أثناء الوباء مر العالم بأسوأ أزمة اقتصادية في آخر 70 عامًا، وكان هناك ملاذ آمن واحد يعتمد عليه الجميع وهو ليس الذهب، إنه الدولار. مؤخرًا تحرك الدولار الأمريكي صعودًا وهبوطًا، يتعلق ارتفاع و هبوط سعر الدولار بجميع أنواع الأشياء، حتى تغريدة من الرئيس الأمريكي يمكن أن تساعد أو تضر بسعر الصرف، ولكن الكثير يعتمد على كيفية أداء الاقتصاد الأمريكي، فكيف حال الاقتصاد الأمريكي؟

يتم قياس الاقتصادات باستخدام “الناتج المحلي الإجمالي” وهو القيمة الإجمالية للسلع و الخدمات المنتجة في البلد على مدى فترة من الزمن. ويمكنك أن ترى في الصورة المرفقة أنه على مدى السنوات بين 2009 الى 2019 كان الاقتصاد الأمريكي ينمو. في عام 2019 ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.3%، ولكن الأمر استغرق بعض الوقت للوصول إلى هناك.

الاقتصاد الأمريكي

الاقتصاد الأمريكي: أزمة 2008

مثل بقية العالم تعرض الاقتصاد الأمريكي للدمار بسبب الأزمة المالية في عام 2008، وبدأ الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش عملية ما بعد الكارثة داعماً البنوك وإنقاذ الشركات الأمريكية. كما لعب البنك الاحتياطي الفيدرالي دورًا كبيرًا في شراء السندات وإبقاء أسعار الفائدة منخفضة.

وكل ذلك استمر في عهد الرئيس باراك أوباما؛ أنفق الكونجرس مئات المليارات من الدولارات على أشياء مثل الضمان الاجتماعي والإعفاء الضريبي، وبحلول عام 2009 كانت الولايات المتحدة قد بدأت أطول توسع اقتصادي لها على الإطلاق، ثم تدخل الرئيس دونالد ترامب، واستمر الاقتصاد في النمو ولكن الـ4 إلى 6% التي وعد بها لم تحدث بالضبط.

عهد ترامب

jon tyson WeK Wc2b0Aw unsplash

تولى ترامب منصبه وكان الاقتصاد الموروث ينمو بقوة منذ عام 2010، لذلك لمدة ستة أو سبعة أعوام كان النمو محققًا بالفعل. ترامب أضاف لمسته الخاصة، حيث قام بخفض اللوائح لتسهيل ممارسة الأعمال التجارية، وجعل الكونجرس يوافق على تخفيض الضرائب للعمال والشركات الأمريكية،

الهدف من فعل ذلك كان مساعدة الشركات على إعادة استثمار الأموال لخلق فرص عمل اكثر، وهو قرار ذكي! لكن لم يجري الأمر كما خطط له دائماً، حيث استخدمت الكثير من تلك الشركات تلك المدخرات الضريبية لإعادة شراء أسهمها وتعزيز قيمتها بدلاً من ذلك. ثم كانت هناك سياسة ترامب التجارية المتمثلة في وضع أمريكا في المقام الأول، حيث قام بتمزيق اتفاقيات التجارة الدولية بحجة أنها غير عادلة وتضر بالصناعة الأمريكية.

شهد الأمريكيون على مدار الأعوام الماضية توترات تنشأ بينهم وبين بعض شركائهم التجاريين، وأحد الأشياء التي فعلتها إدارة ترامب هو التركيز على الصين، مما أدى إلى حرب تجارية؛ فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الصين بمئات المليارات من الدولارات من السلع الصينية و استجابت الصين بالمثل. كما وجدت الصين طرقًا للالتفاف حول بعض تلك التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة عليها، فقد نجحوا في تقليل الواردات من الصين ولكن الصين قامت بإعادة توجيه تلك الواردات عبر دول أخرى لتستطيع الوصول الى الولايات المتحدة.

الشيء الجيد في فترة ولاية ترامب هو أن الجمهور الأمريكي بدأ يشعر بتحسن كبير تجاه الاقتصاد وكان لذلك تأثير مهم لأنه عندما يشعر المستهلكون بالثقة بشأن آفاقهم المالية من المرجح أن يخرجوا ويشتروا اكثر مما يحرك عجلة رأس المال أكثر، لذلك كان الاقتصاد في حالة جيدة وكان سوق الوظائف في الولايات المتحدة مشتعلًا، ثم جاء فيروس كورونا ودفع الاقتصاد من على حافة الهاوية.

انخفض الاقتصاد الأمريكي بنسبة 5٪ في الربع الأول عندما دخل رسميًا في حالة ركود، ثم في الربع الثاني انخفض بمعدل سنوي قياسي يزيد عن 30٪، ومرت الولايات المتحدة بواحدة من أدنى معدلات البطالة في تاريخها. في الربع الثالث من عام 2020 اثناء الوباء كان التركيز على التعافي الاقتصادي، وانتعش الاقتصاد بنسبة قياسية بلغت 33٪. ساعد الاحتياطي الفيدرالي من خلال بعض القرارات للحفاظ على تدفق الاتمان للشركات والأسر مثل خفض أسعار الفائدة لجعل الاقتراض أرخص،

خصص الكونجرس أيضًا تريليونات الدولارات كمساعدات لإبقاء العمال والشركات قائمة وتحفيز النمو. كان هذا الكثير من المال، وكان بمثابة مساعدة كبيرة للأسر الأمريكية ونعمة كبيرة للاقتصاد لأنه ساعد في إنفاق المستهلكين، حيث رأينا بعض الولايات تعيد فتح أبوابها وشوهد في الواقع انتعاشًا حادًا للغاية في الاقتصاد.

من هناك وحتى الآن بدأ الاقتصاد الأمريكي في التعافي، لكن قد لا يستمر ذلك طويلاً، حيث ان الركود بدأ يظهر في الأفق و قد تمر الولايات المتحدة هذا العام بأزمة اقتصادية حادة لم تشهدها منذ 2008

اقرأ مقالة الأزمة المالية عام 2008

شارك المقال